هذه البلدات على سفوح جبال لبنان الشرقية: مضايا وبقين, والزبداني, وبلودان تمرّ بالذاكرة وكأنها امس, على خط القطار الواصل بين دمشق ورياق.. فهي اجمل مصايف دمشق (والاردن). وفي بقين اطيب وأخف مياه يمكن ان تشربها.. حتى حين تكون قارورة ايفيان امامك..
والقصة ليست قصة ذكريات خضراء قديمة, فأنت تشهد على التلفزيون ماذا جرى في هذه المنطقة, وخاصة مضايا حيث مجاعة اكثر من خمسين الف سوري محاصرون بالجيش السوري, وبمحاربي حزب الله منذ سبعة اشهر.
ترى هل يحدث اسوأ من تبادل السكان السنّة في الزبداني بالشيعة في ادلب؟ وهل من المعقول أن يحاصر جيش سوريا (مع الاعتزاز) وميليشيات الممانعة والمقاومة نساء واطفال وعجزة مضايا؟!
وما يجري بشهادة الامم المتحدة والعالم حقيقة.. مؤلمة الى حد التمزّق. فالأمم المتحدة صارت تسرّب دولارات (مائتي دولار للفرد) للتغلب على الجوع. فيدرك تجار الحروب ما يجري ويملأون المتاجر بالارز والعدس والحمص. لكن بسعر الكيلو من هذه الاطايب 300 دولار. وهكذا يشبع الاطفال, ويتغوّل تجار النظام وميليشيا حزب الله وتقوم الامم المتحدة بواجباتها.
والذين يقاومون الارهاب في سوريا ولبنان وايران يخافون من صور الاطفال-الاشباح بعظام اقفاصهم الصدرية الطامرة، ووجوههم الصغيرة الحاملة الموت بدل ابتسامة الحياة الجميلة فهم سيسمحون لهم ببعض قوافل الاغاثة الاممية خلال اسبوع، ثم بعدها، يعود الجوع والحصار كما كان.
بالتبادل المخزي في الزبداني لم تحمل الحافلات غير سوريين ثائرين، لا احد غير سوري، لكن حراسة القافلة كانت تضم ايرانيين من الحرس الثوري، ومقاتلين من حزب الله، وجنود الجيش الذي كان سورياً، اذن من كان الارهابيون في الزبداني؟ اليسوا هم السوريون الذين يرفضون نظاما يقوم على القمع والاضطهاد والابادة الجماعية لكل صوت يرتفع غير صوت القائد الى الابد.
اوروبا واميركا والعالم مهتم باعداد من ارهابييهم جاءوا الى سوريا ليمارسوا القتل، لكن اوروبا واميركا والعالم غير مهتم بمئات الآف الايرانيين وشيعة لبنان والعراق وافغانستان وباكستان الذين جاءوا لقتل السوريين وتجويعهم وفرض الطغيان عليهم.
مع الاحترام لكل اراء أعداد من مواطنينا, فلا شيء يبرر جوع الاطفال.. لا شيء يبرر دموع النساء العاجزات عن إطعام المرضى وكبار السن. لا شيء يبرر صبر الرجال الذين يقاتلون دفاعاً عن الحرية وخبز الاطفال ورضى الاباء والامهات.
نفلسف الموت ونعطيه اسباباً عن الحرب والدمار وتجار الحروب. ولكن الموت ليس نظرية قابلة للنقاش. إنه في عيون اطفال مضايا.
الرأي