السعودية تغير قواعد اللعبة في الإقليم
رجا طلب
08-01-2016 06:21 PM
الغرور والرعونة اللذان سيطرا على سلوك إيران سواء السياسي منه أو الأمني منذ إحكام سيطرتها على العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وتحول بشار الأسد إلى ورقة في يدها بعد الثورة عليه في مطلع عام 2011، واتفاقها النووي مع واشنطن والدول الكبرى، جعلها تصل لمرحلة من القناعة بأنها باتت القوة الإقليمية الأولى، وأن لا قوة أخرى في المنطقة أو الإقليم يمكن أن تتصدى لسياساتها، ولذلك كانت صدمة صناع القرار في إيران مدوية عندما بدأت السعودية ومعها دول التحالف العربي في ضرب مواقع الحوثيين وأنصار علي عبد الله صالح بعد زحف قواتهم باتجاه عدن لإتمام الانقلاب على الشرعية اليمنية وإسقاط حكمها.. لم يصدق الإيرانيون ما جرى في فجر السادس والعشرين من مارس 2015 عند بدء عملية عاصفة الحزم.
كان يمكن وبسهولة قياس مرارة المفاجأة وصعوبتها في محتوى خطابات حسن نصر الله الذي جن جنونه وخرج ومازال عن "وقاره المفترض" "ولباقة ولياقة" خطابه السياسي حيث تحول إلى مجرد "سباب وشتام" للسعودية وسياستها.
كانت "عاصفة الحزم" بداية توجهات جديدة للعهد الجديد في السعودية في ظل حكم الملك سلمان بن عبد العزيز، فهذا التوجه الجديد أنهى عهد السياسة السعودية القائمة على "الانتظار والتروي واستثمار الوقت" في التفاعل مع الأخطار المحدقة بها إلى الانتقال لسياسة "الردع والمباغتة"، فطهران كانت تعتقد أن السعودية بهدوئها المعهود في اتخاذ القرارات الاستراتيجية ستتردد في التدخل في اليمن وستهمل مع الوقت الملف السوري الساخن، وأنها ستتغاضى عن جرائم إيران ومليشياتها في العراق وفي تدخلها المستمر في البحرين وفي الكويت، وفي استثمارها اسم القاعدة وداعش في التغطية على عملياتها ذات الأهداف الطائفية البحتة ضد مساجد إخواننا الشيعة في السعودية والكويت والعراق من أجل تأجيج الحرب الطائفية التي تعد ورقتها الرابحة.
ارتباك كبير أصاب طهران بحكم الصدمة من عاصفة الحزم من جهة وبحكم الغرور المشار لأسبابه من جهة ثانية، فوقعت في المنطقة "الرمادية" من عدم وضوح الرؤيا خاصة بعدما توالت هزائمها العسكرية هي ونظام بشار ومليشياتها في سوريا، وهو الأمر الذي جعل التواجد الروسي العسكري المباشر في سوريا عنواناً لفشلها العسكري من ناحية وتحديا لسيطرتها على بقايا نظام بشار من جهة ثانية، وفي سوريا بدأت تتكشف لها حقائق جديدة من أبرزها التفاهم من تحت الطاولة بين إسرائيل وروسيا وهو تفاهم يقضي عملياً بتحجيم قوتها وتحجيم قوة حزب الله على الساحة السورية والتي كان عنوانها الأبرز اغتيال سمير القنطار، وهو الأمر الذي شكل أيضا صدمة كبرى أخرى في الملف السوري ضربت طهران بمقتل استراتيجي.
إعدام نمر النمر لم يكن في الحسابات السعودية أكثر من مجرد قصاص قانوني لرجل حرض على قلب نظام الحكم في السعودية ودعا لتطبيق ولاية الفقيه فيها وهو ما يعني إتباعها لإيران كما أدين بصلاته بجماعات متشددة مارست الإرهاب ضد الدولة، ولكن لكون طهران تقف في مساحتها الرمادية، وبلا رؤية لما بعد عاصفة الحزم تعاملت وبرعونة كبيرة أيضا مع موضوع الإعدام واعتبرت ما جرى لرجل شيعي سعودي هو مس بها في مغالطة سياسية وقانونية، وكان رد فعلها الطبيعي هو الانتقام، فأوعز للحرس الثوري والتابعين له من المخربين للهجوم على السفارة السعودية بطهران والقنصلية السعودية بمشهد.
بالمقابل وبدرجة عالية من "التروي والهدوء" قامت السعودية بإجراءين لم يخطرا على بال صناع القرار في طهران وهما :
أولاً: قطع العلاقات الدبلوماسية معها.
ثانياً: تم تقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن، وتم خلال تلك الجلسة إدانة الاعتداءات الإيرانية.
أما الصفعة الأكثر إيذاء لطهران وغرورها وعنجهيتها هي اكتشافها حجم القوة الإقليمية للسعودية وبخاصة علاقاتها العربية حيث سارعت كل من البحرين والسودان والصومال لقطع العلاقات معها، وقامت الإمارات بتخفيض التمثيل الدبلوماسي، فيما قامت الكويت وبعدها الأردن بتوجيه رسائل غاضبة ضد السياسة الإيرانية في مجمل المنطقة وضد السعودية بشكل خاص هذا عدا حجم الإدانة الدولية لإيران.
... إيران باتت على قناعة من أن السعودية أصبحت تملك زمام "المبادرة" والقدرة على ممارسة "الحرب الوقائية" بكافة الأشكال المتاحة، هذا عدا أنها تملك تحالفاً عربياً وإقليمياً عريضاً يضم تركيا وباكستان، ولأن الرياض تحررت إلى حد كبير من حالة التردد التي سيطرت على سلوك إدارة اوباما خلال تلك السنوات الماضية والتي استفادت منها طهران إلى حد كبير ..
24