كنت من اشد المتحمسين لموضوع خصخصة الشركات ،ودليل ذلك انني و بتاريخ 28\\4\\2004 نشرت مقالة بجريدة الدستور تضمنتها حث الحكومة آنذاك على المضي قدما في خصخصة الشركات العامة ،دون الالتفات الى بعض الاصوات التي كانت تعارض هذا التوجه،وكان اعتقادي في ذلك الوقت ان الخصخصة هي العلاج الانجع للقضاء على المحسوبية و الشللية ،وهي الضامن لأعطاء اصحاب الكفاءات الفرصة الحقيقية لأخذ الدور و المكانة التي يستحقونها،وكانت قبلتي في هذه القناعة هي بعض الدول الاوروبية الشرقية التي سارت على هذا الدرب و نجحت فيه.
في واقع الامر ،ان ما حصل عندنا بعد الخصخصة ،خالف كل التوفعات ،فعوضا عن التخلي عن بعض المسؤولين في الشركات التي تمت خصخصثها و الذين كان ينظر لهم بأنهم من تسبب بتراجع شركاتهم ،فقد تم الاحتفاظ بهم ،لا بل تمت ترقيتهم و اعطائهم امتيازات اكثر،وبطبيعة الحال تم تضيق الخناق على من كان ينتظر الفرج بالخصخصة،للتخلص من هولاء المسؤولين .وهنا يبرز سؤال كبير ،لماذا كانت بعض هذه الشركات متعثرة قبل خصخصتها ،ثم اصبحت تحقق مرابح خيالية بعد الخصخصة،علما بان معظم القائمين عليها من المسؤولين قبل و بعد الخصخصة هم انفسهم؟
بكل الاحوال ها نحن نشاهد \"فضائل\" الخصخصة على طريقتنا الاردنية،فعمال ملح الصافي يتساقطون واحدا تلوا الآخر ،دون ان يأبه احدا بهم ،و سهم البوتاس (المالكة لشركة ملح الصافي)، فاق سعره الثمانين دينارا،و الشركة المستثمرة للبوتاس لا تنظر الى هولاء العمال الا حمولة زائدة،دون ان يكون لدى القائمين عليها اي حس اجتماعي و تنموي ،وكل ما يهمها هو تعظيم ارباحها على حساب مقدرات الوطن و ابناءه.
وها هي شركة الفوسفات تحذو حذو شركة البوتاس بخلقها اجواء طارده لموظفيها ،ما ادى و سيؤدي اكثر لاستقالة الكثير من العاملين لديها لتوفير رواتبهم و تعظيم مرابحها ،وبالنهايه ترمي بهم الى مؤسسة الضمان الاجتماعي، هذه المؤسسة التي بدأت تنوء بحملها نتيجة لسياسات الغطرسة التي يمارسها القائمين على ادارة هذه الشركات .وهنا نقول لمؤسسة الضمان الاجتماعي واذا ما ارادت اقناعنا بضرورة تعديل القانون بأنه يتوجب عليها التحرك بوجه هذه الشركات ووضع حد لهم ،وان لا تكتفي بتعديل قانون الضمان على حساب منتسبيه لحفظ اموالها،بل عليها العودة بأثر رجعي على هذه الشركات التي تعمدت دفع الموظفين الى الضمان المبكر،وذلك بفرض غرامة على هذه الشركات تعادل القيمة التي كان يفترض بهذه الشركات ان تدفعها فيما لو استمر العاملون بها لغاية سن تقاعد الشيخوخة وذلك تبعا لما تحققه هذه الشركات من مرابح خيالية،فسهم الفوسفات كان قبل الخصخصة ب2.8 دينار ،والآن اصبح سعره اكثر من 60 دينار.