الذي يرى صور الشهداء جوعا في مضايا السورية، او صور الاطفال السوريين الذين يرحلون غرقا على شواطئ تركيا، ومعهم مئات الالاف الذين يتم تهجيرهم سنويا، من اليمن وليبيا وسورية والعراق، وقبلهم أهل غزة وكل فلسطين الذين يموتون تحت القصف، يسأل نفسه كم تبقى فينا حقا من محمد، صلى الله عليه وسلم؟!.
كم تبقى من القيم التي زرعها، وأرساها ذات رسالة، عن المؤمنين الذين يتداعون بالسهر والحمى لاجل بعضهم البعض، لكنهم اليوم لايتداعون بالسهر، ولا بالحمى، بل بالتفرج على بعضهم البعض اذ يموتون ابشع موتة، واذ يرون كيفية موتنا على يد بعضنا البعض، قبل العدو، يموتون وفي بطونهم ورق الشجر، ولحم الكلاب والقطط، او ماء البحر، او شظايا القنابل، موت بشع بكل ماتعنيه الكلمة.
لايمكن هنا ان نواصل اتهام العدو المبني للمعلوم او المجهول، فهناك خلل فينا، خلل بنيوي، يؤدي الى قلة الغيرة ، فلم نعد نرى غيرة على ابناء امة واحدة، تتعرض لاكبر عملية قتل جماعي في التاريخ، على يد التنظيمات والاحزاب والانظمة، وبشراكة من الخارج، وتورط من الداخل.
قبل عقدين فقط، كانت تقوم قيامة الدنيا ولاتقعد، من اجل عربي او مسلم، واحد يتم هدر دمه، واليوم، لاتعرف ماذا جرى، هل انتشرت قلة الغيرة، ام اعتاد الناس على الموت الفردي والجماعي، بحيث باتت رؤية صورة القتلى بالبراميل في سورية، او بفعل قصف الطيران الاسرائيلي، او جراء الغرق او السجن، امرا عاديا جدا، لايؤدي حتى الى توقف الحياة لحظة واحدة؟!.
الحبل السري بين ابناء امة واحدة، يكاد ان يكون انقطع، فالكل اليوم، مشغول بشيء آخر، والسوري الذي يستغيث بأمته، لايسمع جوابا، وقبله الفلسطيني، وبينهما سلسلة طويلة من الموتى في العالم العربي والاسلامي، تمر بطريقها ايضا بمن جاعوا وقتلوا في الصومال، او في مناطق بعيدة في آسيا.
اسوأ مافي المشهد هذه الفتن، التي تؤدي الى انقلاب كثيرين على دينهم وامتهم، فهذه فتن تجعل بعض الناس على نية الارتداد، والخروج من الانتساب الى هذه الامة، وقد صدق اكاديمي اجرى بحثا قال فيه ان «الالحاد الصامت» بات يتفشى بين الاجيال الجديدة، وهو الحاد لايتم اشهاره، خوفا من بقية المجتمع، والابتلاءات التي تتنزل لايجد من يطفئ نيرانها، ولامن يخفف منها، ويتم تركها لتحرق اجيال كاملة، وهي تتفرج على هذه المحن، وتكاد لاتفهم لماذا لاتتم اغاثة هؤلاء، ولماذا لايتم نصرة المستضعفين، الى آخر الاسئلة التي تعصف بهم.
كم تبقى فينا من محمدعليه الصلاة والسلام، وقيمه واخلاقه، ورسالته، هذا هو السؤال الواجب ان يطرحه كل واحد فينا على نفسه، حتى نفهم اين نحن تحديدا، من الانتساب اليه، والى امته، بغير الكلام الجميل؟!.
والسؤال مفرود لكل واحد فينا؟.
الدستور