دخلت المنطقة مع مطلع العام الجديد، حلقة جديدة، أكثر توتراً وخطورة، في مسلسل الانقسام والاصطراع المذهبيين ... القصة بدأت بتنفيذ حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، وتعقّدت بإقدام متظاهرين في طهران وقم على حرق السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، في نموذج فجّ.
المتتبع لصوت عائلة النمر، كما عبّر عنه شقيقه في تغريداته المتعاقبة، يلحظ قدراً متميزاً ومفاجئاً من “الاعتدال” و”التوازن”، فالرجل منذ اليوم وهو يدعو لالتزام “السلمية” في التعبير عن المواقف والمشاعر، وعندما بدأت أنباء حرق القنصلية والسفارة في إيران بالتواتر، خرج مندداً ومستهجناً للتدخل الإيراني في المسألة، وهو المكلوم بأخيه، فيما نجله محكوم أيضاً بالإعدام، وينتظر تنفيذ الحكم في سجنه.
ثمة نقاش واسع، يدور همساً أو يُستشف من تحت غبار حرب الاتهامات المتبادلة والمواقف المتشنجة التي تطبع العلاقات السعودية – الإيرانية، حول أسباب ودوافع تنفيذ حكم الإعدام، أو ردة الفعل الإيرانية عليه ....
في الجانب الإيراني، ليس ثمة من يتقبل الرواية الرسمية التي تتحدث عن “ثورة غضب” شعبية وغير رسمية، فالحكومة مسؤولة في كلتا الحالتين عمّا حصل من خرق للقانون الدولي ومعاهدة فيينا، وسواء أكانت هي من دبر عملية الاقتحام والحرق، أم هي من عجز عن منع هذه العملية، فهي تتحمل المسؤولية كاملة وفي كلتا الحالتين عن الفعلة المسيئة، وربما هذا ما فسر تصريحات الرئيس حسن روحاني التي خطّأ فيها الاعتداء على السفارة والقنصلية.
في الحالة السعودية، ثمة من يعتقد بأن المملكة كانت بحاجة لـ “شدّ العصب السني” سيما وأن “مفاعيل” التحالف الإسلامي الذي أعلن عنه مؤخراً، لم تتظهّر بعد .... وفي الحالة الإيرانية، ثمة من يتحدث عن دوافع أخرى عديدة، غير إعدام النمر، تقف وراء ما حصل، منها إحساس إيران بالتوتر على خلفية التطورات الأخيرة في الحرب على اليمن، ومنها ما يتصل بقضية الحجاج في تدافع منى المأساوي، والذي شكل الإيرانيون غالبية ضحاياه ... ومنها أيضاَ ما يتصل برفض الرياض محاولات طهران المتكررة، للشروع في حوار وتسويات حول بعض ملفات الإقليم.
خلاصة القول، أن العلاقات بين المملكة السعودية والجمهورية الإسلامية، دخلت في طور جديد من التوتر والقطيعة، وأحسب أن تداعيات الأزمة الراهنة، لم تكتمل بعد، وثمة فصول جديدة من الأزمة والتأزيم، ستظهر تباعاً سواء على المستوى الثنائي، أو ربما تتظهّر في “حروب الوكالة” المندلعة من اليمن إلى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا.
ولا شك أن هذا الفصل الجديد من التوتر، سوف تكون له التداعيات السلبية على الجهود الرامية للتوصل إلى حلول سياسية لأزمتي اليمن وسوريا، وسيشهد مسارا فيينا وجنيف، المعقدين والعاثرين أصلاً، المزيد من العثرات والتعقيدات ... كما سوف نشهد تصعيداً في المواجهات الميدانية، وربما في حروب التصفيات والاغتيالات لأنصار الطرفين في هذه الدول.
والمؤسف حقاً، أنه باستثناء التصريح الروسي المعبر عن الاستعداد للوساطة والتوسط بين البلدين لحل خلافاتها، لا نرى أية مبادرات جدية، من داخل الإقليم، تستهدف احتواء التأزم، والحيلولة دون انزلاق المنطقة برمتها، إلى فصل جديد من الانقسام والاصطراع المذهبيين.
الدستور