السعودية وإيران: فتح الجروح، لا دفنها!
حلمي الأسمر
06-01-2016 02:10 AM
ربما يكون قطع العلاقات السعودية الإيرانية أخطر تطور في العلاقة العربية الإيرانية في السنوات الأخيرة، بعد أن شهدت هذه العلاقات مفاصل شديدة الأهمية، وتم التعامل معها بنوع من «الطبطبة» وتأجيل الانفجار، إلى أن جاء حرق السفارة السعودية في طهران، ليضع حدا لهذه السياسة التي تنطوي على كثير من التسكين، ودفن الجروح، لا معالجتها!
الموقف السعودي الجريء، أولا بإعدام نمر النمر، ثم بقطع العلاقات، يؤشر إلى بداية حقبة جديدة من التعامل العربي مع جبروت إيران واغترارها بجنون القوة، وسبق ذلك، الموقف السعودي الأكثر دراماتيكية، وهو قرارها الحاسم بوقف التمدد الإيراني في اليمن، عبر شن عاصفة الحزم، ومواجهة حلفاء ايران هناك وهم الحوثيون، ولو قرأت إيران الموقف السعودي جيدا، لما أقدمت على ما أقدمت عليه، ويمكن قراءة المشهد الإجمالي على النحو التالي..
أولا/ بدأت العلاقة العربية الإيرانية بالتوتر حينما استعملت إيران بالتعاون مع الولايات المتحدة سياسة حصان طروادة، لاستباحة العراق، وتدشين الحرب الطائفية بين السنة والشيعة، وقد كظم النظام العربي المهلهل غيظه طويلا على هذه السياسة، وتعامل معها بمقتضيات الضعف، والاستكانة، وعول كثير من العرب على أن يهب «المجتمع الدولي» لنجدة عرب العراق من السنة، وبعض الشيعة، ممن لم يرتضوا تسليم بلادهم للفرس، ولكن الخذلان كان مصير عرب العراق، ولا شك أن جروح هذا البلد العربي ظلت باتساع، وتفاقمت أكثر فأكثر، بعد أن توهمت إيران أنها اللاعب الوحيد في الساحة!
ثانيا/ استمرارا للشعور بالنصر والجبروت، عبثت إيران في ذروة ثورات الربيع العربي، بخاصرة السعودية الرخوة في المنطقة الشرقية، حيث تسكن أقلية من الشيعة، وحاولت ركوب موجة الربيع لتقويض الأمن السعودي، وتعاملت السعودية مع هذا الأمر بكثير من الحزم، ولكن دون تصعيد كبير.
ثالثا/ لقاء آخر من المواجهات أعقب هذا في البحرين، حيث استثمرت إيران التوترات الداخلية في هذا البلد وغذتها على نحو كاد يودي باستقرار هذه المملكة الصغيرة، التي تعد عمقا استراتيجيا للسعودية، وتحركت الرياض لإنقاذ شقيقتها من فوضى عارمة، وأخمدت نار الفتنة..
رابعا/ ثم كانت المواجهة المفتوحة في سوريا، عبر صراع مرير، بين قوى تدعمها دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، وأخرى تحارب إلى جانبها مباشرة إيران، وكان العنوان المعلن: ثورة في سوريا، وفي داخل الملف: صراع عربي إيراني، وصراعات أخرى ذات ابعاد عدة، بعد أن تحولت سوريا إلى ساحة لحرب عالمية مضغرة!
خامسا/ شكل الانسحاب الأمريكي من المنطقة العربية، وتركها لمواجهة مصيرها بنفسها، عبر سلسلة من الخطوات الكبرى، كالاتفاق النووي الإيراني، حافزا للسعودية لأخذ المبادرة لمراعاة شؤونها الأمنية بنفسها، في غيبة شبه كاملة للشقيقة مصر، المشغولة بمداواة جروحها الداخلية، ثم جاء التطور الأخير ليفجر الملف الساخن، ويفتح صفحة جديدة من المواجهة الساخنة بين ملفين متناقضين: سنة وشيعة!
الأيام القليلة القادمة ستشهد كثيرا من التطورات، من الصعب التكهن بماهيتها، لكن عنوانها سيكون فتح الجروح لا دفنها!
الدستور