إن أغرب ما في تداعيات حادثة إعدام السلطات السعودية لأحد مواطنيها "نمر باقر"، ما وجهه نوري المالكي من انتقادات وصلت لحد التنبؤ بالإطاحة بالنظام السعودي، متناسياً "آية الله المالكي" يديه الملطختين بدماء مئات الآف من شعبه وآلاف العلماء والأكاديميين السنة، بعد أن قفز من ظهر الدبابة الأمريكية لسدة الرئاسة.
ويبدو أن موجة الغضب التي أبداها مسؤولون في طهران وبغداد والضاحية الجنوبية، على قرار السلطات في المملكة العربية السعودية، بتنفيذ حكم الإعدام بحق 47 ممن ثبتت عليهم تهم الإرهاب، تذهب نحو تعميق وتجذير الصراع الطائفي. وإن كانت هذه المرة من طرف واحد.
فالسعودية وفي لغة الأرقام اعدمت 47 شخصاً بينهم 4 من الطائفة الشيعية فقط، والبقية سنة، ما ينفي أي صبغة طائفية على خطوة الرياض، كما أنهم مواطنون سعوديون بالأساس، وإن كان هناك قول آخر، فإن حجة مناصري الخطوة السعودية ستصبح أكثر إقناعاً.
وإن كنا نأسف إلى طرح هكذا تقسيمات، ونجاح العمامة السوداء في تغذية الصراع الطائفي بالمنطقة، فإن أبرز ما يثير الانتباه حجم الغضب المتسق على واقعة إعدام نمر باقر النمر، بين خيوط طهران ونبل السورية فالضاحية الجنوبية في بيروت فجبل الحوثي وقفول البحرينية وقطيف السعودية، وغياب ذات ردة الفعل عن ملايين المسلمين حين تم إعدام وتصفية وتفجير مئات العلماء والمشايخ السنة في العراق.
إن سياسية إيران التي تتعمق فيها يوماً عن يوم الانتماءات القومية الفارسية، تذهب باتجاه انعدام ثقة دول المشرق العربي وشعوبها بنواياها، فهي وإن كانت تغرد ليل نهار بشعارات من مثل "الموت لأمريكا"، "والموت لإسرائيل" سرعان ما أثبتت عكس ذلك، وأن تلك الشعارات ما هي إلا جسرٌ للعبور إلى بغداد فدمشق فبيروت فالمنامة فصنعاء، وعينها على الكعبة المشرفة لإحياء مشروع "أبو طاهر القرمطي" ونظرية "إيران أم القُرى" لأبرز منظري النظام الإيراني محمد جواد لاريجاني.
إن المشروع الإيراني الكبير بالتوسع في المنطقة يبدو ممكناً، في ظل غياب مشروع "عربسلامي" يوقف زحفها، ويعيدها إلى جادة الصواب، ويعيد ترتيب أوراق المنطقة على أساس الثقة والاحترام المتبادل وحسن الجوار وبتر أطماع التوسع وحماقات إدخال المنطقة في مستنقع وأتون الطائفية، والذي يتأتى اليوم بموقف عربي جامع وحاسم باتجاه تدعيم موقف السعودية، بوجه التدخلات غير المقبولة في شؤونها الداخلية، فضلاً عن القلاقل التي تحاول زرعها بين الحين والآخر في البحرين، وما تقترفه الآن في اليمن والعراق وسورية.
لم نعد بحاجة لبراهين تدلل بأن لدى إيران مشروعا توسعيا طائفيا في المنطقة لا تنكره هيّ، وطالما تساقطت التصريحات من مسؤولين إيرانيين على مستوى عالٍ بهذا الخصوص، وآخرها تصريحات مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي بقوله إن "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا".
ولكن ما هو المشروع الذي يجب أن يدافع عنه أنصار السعودية في منطقتنا، هل هو مشروع واضح له إستراتيجيته وأدواته وهل هو مقنع للشباب العربي، ثم هل الشباب العربي معنيّ بهذا المشروع، وهل تم بناء جسور الثقة معه وإقناعه بأن بعض عناصر النظام الإيراني ليس هدفه مكة وحدها إنما إيجاد سياج من الدول المفككة حول السعودية، أو دولاً تدين بالولاء لولاية الفقيه.
ولنتذكر قبل مشهد حرق السفارة السعودية في طهران المصحوب بتراخ من السلطات الإيرانية، أن السلطات السعودية تريثت بنفس طويل قبيل تنفيذ أحكام الإعدام، لكن عاقلاً لا يمكن أن يقبل أن تكتوي المملكة بنار الإرهاب والتطرف ونشر الفتن والدعوة إلى التخريب، دونما أي رادع، أو تقف مكتوفة الأيدي إزاء النار المحيطة، فكانت أحكام الإعدام رسالة واضحة وحازمة أن ترويع الناس أمرٌ لا تهاون فيها.
ولنتذكر أيضاً ما تتناسته إيران من جملة الإعدامات التي تنفذ دون محكمات لمئات المسلمين في الأحواز، أو حتى لمعارضي نظام الملالي من اليساريين والاشتراكيين، لحد وصلت جملة الإعدامات ما بعد الثورة إلى 30 ألفا وربما تزيد-وفق تقارير لمنظمات دولية.
لكن يبدو أن جارتنا الفارسية تهوى لعبة الإزعاج وتتناسى أيضاً أنها واحدة من أكثر دول العالم تنفيذاً لأحكام الإعدام وربما الأولى على مستوى الشرق الأوسط، والتهمة الأولى هي "معاداة الله" أو "الفساد في الأرض"، والتي راح ضحيتها بحسب تقارير للأمم المتحدة العام 2014 ( 753 ) شخصاً أعدموا لذات التهمة أو المخدرات أحيانا وهي تهمة التورية أو التقية، مقابل (680) حالة العام 2013، فيما قال تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2014/2015، لحالة حقوق الإنسان في العالم أن السلطات الإيرانية نفذت حكم الإعدام بحق عدد مذهل من الأشخاص يبلغ 694 شخصا بين 1 يناير/ كانون الثاني و 15 يوليو/ تموز 2015 ، في ارتفاع غير مسبوق لعدد عمليات الإعدام في البلاد.
والأهم أن جارتنا التي تنتشر فيالقها في سوريا والعراق وعلقت برقبتها دماء مئات الآلاف، ما زالت تروق لها لعبة الشيعي-سني مهما كانت النتيجة ولو بإزهاق أرواح الملايين، دون إدراك بأن الحروب الطائفية لا غالب فيها، وأن العرب السنة مهما اتسع الجفاء مع أشقائهم الشيعة، فإن حاضنتهم واحدة. ومصيرهم إلى تلاقٍ.
وهي تتناسى أيضاً أنها سبقت العالم كله في تنفيذ الحكم بحق الأحداث إذ أعدمت في الفترة من (2005/2015)، 75 حدثاً، فيما ينتظر 160 حدثاً ذات المصير، وبالرجوع للأرقام المذكورة فإنه يعدم يومياً 3 أشخاص في إيران، غالبيتهم "يعادون الله" كما يرغب دوماً أن يصفهم نظام الملالي، الذي يتوعد السعودية بالرد، والانتقام الإلهي هذه المرة، حين اعتبر المرشد الأعلى خامنئي أن السعودية ستواجه "انتقاما إلهيا" بعد قيامها بإعدام نمر باقر النمر.
يبدو أن لعبة التحدث باسم الله أصبحت تعجبهم.فيما نحن مفككون ونوشك أن نخسر سوريا مثلما خسرنا العراق، ولا خلاص لنا إلا بمشروع عربي-إسلامي يوحد كل القوى المتفرقة بوجه الأخطار المحيطة بنا على اختلافها ومصادرها.