أعلن الديموقراطيون الهزيمة، من انتصر؟
ياسر ابوهلاله
25-03-2007 02:00 AM
لا يصدق كثيرون أن أميركا هزمت في العراق. فأميركا أعتى قوة عرفها البشر في تاريخهم لا يمكن أن تهزم. تصويت الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي لا يحمل غير تفسير واحد، إعلان هزيمة. جدولة الانسحاب هي عبارة مستحدثة تخفف من تعبير الهزيمة. لسنا في مسلسل تاريخي يولي المقاتلون أدبارهم لا يلوون على شيء. يتعقبهم المنتصرون على وقع سنابك الخيل وصليل السيوف التي تقطر دما. وفي بلد حديث لا يسمح لرئيس مثل بوش بالتمادي في "حالة إنكار" تتلبسه منذ سنين، سماها "استراتيجية تحقيق النصر"، وهي تسمية متواضعة لهزائمنا (أم المعارك، الحواسم..). غير أن الناخب الأميركي على ضعف صلته بالعالم الخارجي أدرك أن خسارة أكثر من ثلاثمائة مليار وأكثر من ثلاثة آلاف جندي لا معنى لها غير الهزيمة. نتيجة الانتخابات بذاتها اعتراف بالهزيمة. فرئيسة مجلس النواب الأميركي الحالية كانت من القلة التي وقعت ضد قرار الحرب.
في كتابه "حالة إنكار" كشف بوب وودورد أن المقاومة العراقية وصل معدل إطلاقها النيران إلى مرة كل ربع ساعة، ولا يوجد جيش في العالم قادر على مواجهة مقاومة بهذا الزخم. طبعا لا يزال كثيرون يعيشون حالة إنكار، ولا يعترفون بوجود مقاومة ضارية لقوات الاحتلال، وكل ما في الأمر إرهاب يقتل الأطفال ويحرق الكتب في شارع المتنبي.
في العراق مقاومة وإرهاب وحرب أهلية، وذلك كله تتحمله قوات الاحتلال، فلو كان هدفها تغيير النظام لما حلت الجيش ودمرت مؤسسات الدولة، ولأعلنت جدول انسحاب من اليوم الأول لدخولها بغداد من دون مقاومة تذكر. المحافظون الجدد كانوا يريدون أكثر من احتلال العراق، أرادوا أن يكون بوابه لغزو السعودية وإيران وسورية، ولم يكن مشروع المحافظين الجدد واعدا بالخير للمنطقة والعراقيين، كان مشروع هيمنة أميركية مطلقة عسكرية واقتصادية وثقافية مجير لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي. مشروع مرعب للعالم كله لا للعرب والمسلمين وحدهم.
هزيمة المشروع الأمبرطوري للمحافظين الجدد (بالمناسبة المشروع معلن قبل وصولهم للسلطة ولست بوارد التجني عليهم أو ادعاء معرفة بواطن الأمور) نصر للمستضعفين في الأرض حتى في داخل أميركا نفسها، وهذه الهزيمة ما كانت لتتم لولا تضحيات هائلة قدمها زهرة شباب العراق ومن هاجر إليهم من العالم العربي والإسلامي. وهؤلاء الذين بذلوا عزيز النفوس لم ينتظروا تكريما من أمتهم وحسبهم ألا يساء إليهم بوصفهم إرهابيين.
يحق للمجاهدين أن يحتفلوا بقرار الكونجرس التاريخي، فآلاف من الشهداء لم تذهب تضحياتهم هدرا. ومن بعدهم بقي عشرات الآلاف من الأسرى والجرحى والعوائل المشردة والمنكوبة. النصر غير مكتمل بسبب اشتداد وطأة الحرب الأهلية وفشل المشروع السياسي الوطني القادر على استثمار الكسب التاريخي. المرحلة المقبلة تتطلب إطلاق مشروع سياسي وطني قادر على إنهاء الحرب الأهلية، ويعمل على الاستعداد لاسترداد العراق من الاحتلال الفاشل والحكومة الأفشل. وفي الوقت متسع فأميركا في احسن الأحوال ستبدأ بالانسحاب في 2008.
بقي محظور خطير وهو المبالغة في قراءة الهزيمة الأميركية، فقرار الكونجرس له قيمة تاريخية عالية، مع أن الرئيس لن يذعن له. وفي الوقت أيضا متسع لحماقات جديدة، فالمثل العامي في الأردن يحذر كثيرا من "ضربة مقفي"، فالمغادر لا يحسب كثيرا لعواقب فعلته. وهو ما يُخشى من الإدارة الأميركية في خريفها.
yaser.hilala@alghad.jo