ما بين الأشخاص والأفكارد.رحيل الغرايبة
04-01-2016 02:13 AM
يكبر الأشخاص وتعظم مواقعهم ويحسن ذكرهم بين الناس بمقدار ما لديهم من أفكار خلاقة وطروحات جديدة، وبقدر ما يملكون القدرة على ملامسة الواقع ومحاولة اجتراح الحلول لمشاكله وتجاوز العوائق التي تحول دون تقدم التجمعات البشرية إلى الأمام. التجمعات البشرية معنية بالبحث عن الأفكار وإمكانية توليدها وتطويرها، ومعنية بزيادة حجم المعرفة وتسهيل طرق العلم والتعلم للأجيال من أجل ضمان استمرار حبل الأفكار على مدار الأزمان، لأن انقطاع حبل الأفكار المتصل بين القديم والحديث يشكل إحدى مصائب البشر الكبرى التي يصعب علاجها واستدراك أثرها، لصعوبة إعادة الوصل بعد الانقطاع. التجمعات البشرية المتقدمة تدرك هذه الحقيقة وتتعامل معها على نحو جدي، وتشكل لديها أولوية الأولويات، ولذلك تجدها تهتم بالعلماء والمفكرين وأصحاب الخبرة، وتقدرهم من أجل علمهم وفكرهم وخبرتهم وتجربتهم التي لا تقدر بثمن، وتعمل على تهيئة الفرصة لتوصيل أفكارهم إلى الأجيال الجديدة، وتقوم على الاهتمام بالمحاضن العلمية ومعاهد إعداد العقل، وتنفق على إعداد الجيل القسط الأكبر من موازنتها، وتعد الانفاق في هذا المجال هو رأس المال الحقيقي الذي لا خسارة فيه. التجمعات البشرية المتخلفة تتغافل عن هذه الحقيقة، وتتجاهلها على كل المستويات، مما يؤدي إلى سيادة حبل الجهالة والجهلاء، وتصبح مؤشرات الاهتمام والاحترام والتقدير متوجهة نحو معايير أخرى تتعلق بالجاه أو المال أو العصبيات المختلفة، أومصادر القوة الأخرى خارج نطاق الفكر، وبعيداً عن دائرة العلم والمعرفة، ويصبح الاتباع والتجمع خلف الأشخاص بدلاً من التجمع حول المبادىء والقيم، وتضيع البوصلة وتتعرض سفينة المجتمع للتيه في لجة البحر المتلاطم الأمواج. سمة التخلف السابقة يتفشى ظهورها في كل شرائح المجتمع، ويشتد ظهورها في النخب السياسية على نحو مفجع، وتصبح التجمعات السياسية عبارة عن أتباع وحواش ٍ لأولئك الذين تميزوا عن غيرهم بانتفاخ الجيوب والقدرة على الانفاق، وتضييع الأمة في متاهة البحث عن الصواب وسط هذا الركام البائس الذي يدعو إلى الرثاء. الإسلاميون هم شريحة سياسية من هذه الشرائح التي تصيبها أمراض المجتمع نفسه، ويلحق بها ما يلحق بغيرها، وليس مجرد التعلق بهذا الاسم يشكل لها العصمة والنجاة، فإذا لم ينتبهوا إلى سنن الحياة ونواميس الكون فسوف تطويهم عجلة الزمن، كما طوت الأقوام والأمم من قبلهم بلا رحمة ولا تمييز. الإسلاميون كغيرهم يقعون في شرك الشخصنة وينسون الأفكار، أو تصبح المبادىء لديهم بدرجة متأخرة على سلم الترتيب من ناحية واقعية، ويتحول العاملون للإسلام إلى تجمعات حول أشخاص، ويصبح معيار المدح والذم والإعجاب والانتقاد منصباً على الأشخاص، وقلما يدور الحديث حول الفروقات الفكرية، وقيمة الطروحات العلمية وما تحوي من مضامين، ويدخل الهوى وتدخل المصالح وتشكل النسبة الكبرى من عملية اتخاذ القرار بالانحياز. إن الذي يضع نفسه موضع الطبيب، ويأخذ على نفسه مسؤولية العلاج والانقاذ يجب أن يتصف بالحكمة أولاً، ويجب أن يتخلص من الداء الذي يفتك به وانقاذ نفسه ؛ قبل إقدامه على علاج الداء الذي يفتك بالمريض وقبل التصدي لمهمة انقاذ المجتمع.
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة