يمثل وزير التنمية السياسية محمد العوران ظاهرة يبدو أنها أربكت الحكومة. فالوزير الذي جاء إلى السلطة التنفيذية من حزب الأرض العربية المعارض يبدي درجة عالية من الاستقلالية عن رؤية الحكومة ويعلن اختلافه معها في قضايا محورية. وهذا سبب إحراجاً للسلطة التنفيذية وفتح الباب على تساؤلات مشروعة حول كيفية انضمامه إليها. فالحكومات في المملكة لا تشكل من ائتلافات سياسية على أساس اتفاقات تتيح لمكونات الائتلاف اتخاذ مواقف مختلفة عن قرارات الأغلبية الحكومية، انسجاماً مع برامجها وعقائدها السياسية. الحكومة، عرفاً وتقليداً وممارسة طاغية، تتشكل من أفراد مسؤولين بـ "التكافل والتضامن" عن قرارات مجلس الوزراء وسياساته.
الحال مختلفة مع وزير التنمية السياسية. فرغم الموقع الحزبي الذي شغل قبل انضمامه للحكومة، لم ينضم الوزير إلى السلطة التنفيذية ممثلاً لحزبه أو لبرنامج اشترط قبوله عضوية الحكومة بتنفيذه. على الأقل لا معلومات أن اتفاقاً كهذا تم بين رئيس الوزراء والوزير الحزبي، أو أن الطرفين اتفقا على التزام الوزير سياسات الحكومة وبرامجها.
ظهرت المشكلة بعدما بان الاختلاف، وأحياناً التناقض، بين قرارات حكومية وقناعات معلنة للوزير. وفي أحيان عديدة أظهرت مواقف الوزير أنه منحاز لقناعاته ومواقفه الحزبية وغير مستعد للدفاع عن قرارات مجلس الوزراء التي تتخذ بـ"التكافل والتضامن".
بالطبع يمكن النظر إلى هذا التباين بين الوزير وبقية أعضاء الحكومة بإيجابية. وذلك منطق أساسه القول إن الحكومة قادرة على استيعاب تعددية سياسية وقبول الرأي الآخر. لكن ليس من غير المنطقي أيضاً القول إن تجربة العوران الوزارية دليل على عدم نضوج آليات تشكيل الحكومات وانعكاس لخلل لم تتم معالجته حين اتخذ قرار توزيره.
فالتباين والاختلاف في السلطة التنفيذية متوقعان في حال تُكَوّن الحكومة من أحزاب أو قوى برلمانية تتفق على برنامج الحد الأدنى من خلال مفاوضات وتنازلات متبادلة. وهذه هي الحال في عديد حكومات في دول يتيح نظامها السياسي، أو يفرض، تشكيل الحكومات من ائتلافات سياسية انسجاماً مع واقع برلماني يستدعي إبرام التحالفات سبيلاً للحصول على أكثرية برلمانية.
لكن الوضع مختلف جوهرياً في الأردن. فلا ائتلافات ولا أحزاب. وبرنامج الحكومة ملزم لكل أعضاء الفريق الوزاري المتكون من أفراد يختارهم رئيس الوزراء بما يحقق التفاتاً إلى الجغرافيا والقدرات الفنية، ولكن ليس إلى التوازنات الحزبية والسياسية.
النتيجة أن ظاهرة العوران أربكت الحكومة حتى في البرلمان. فبينما تدافع الحكومة عن مشروع قانون الأحزاب السياسية، يهاجم العوران التشريع المقترح على أنه جريمة بحق الأردن. ويبكي العوران الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي لا ترى فيه الحكومة البطل الذي يبجله حزب العوران.
لو كانت الظاهرة نتيجة تطور في تشكيل الحكومات سمح بوجود الائتلافات، أو فرضه، في تشكيلتها لكان الوضع مختلفاً. بيد أن آليات تشكيل الحكومات ما تزال على حالها: اختيار فردي لأفراد حسب قناعات رئيس الوزراء المكلف وتقويمه. ولأن الحال كذلك، وفي ضوء الأثر السلبي لغياب التوافق على برنامج التنمية السياسية المفترض أن ينفذه الوزير، ثمة أسئلة مشروعة أبرزها لماذا دخل العوران الحكومة وهل سيبقى فيها، وما هو موقف زملائه منه ومن آرائه؟.