اكثر ما يؤسف هذه الايام، اكتشافنا جميعا، ان الحكومات التي افقرت الناس بسياساتها، التي لاتتوقف، وتضم كل عام فقراء جددا الى الطابور الطويل، لا تحاول ابدا التخفيف من حدة الفقر عن الناس، بل انها استسلمت تماما، واعتبرت الفقر ظاهرة عادية.
لماذا لم نسمع منذ زمن بعيد عن زيادة على مخصصات المعونة الوطنية، او حتى رفع الحد الأدنى للأجور، ايضا، وقد بتنا نرى ان استفحال الفقر ينتج ظواهر كارثية اقلها تدمير بنية المجتمع الانسانية، وتحويله الى مجتمع ينخره الغضب والتعب والجريمة والفساد والحرمان؟!.
الحكومات بسياساتها زادت من حدة الفقر، ومن عدد المنتسبين الى قوائم الفقراء، لكنها بالمقابل باتت تتعامل مع ظاهرة الفقر باعتبارها عادية، وكأنا يراد تحويل الناس الى طوائف مهمشين تعتاد على الموت جوعا، او بردا.
لقد آن الاوان ان يقف اصحاب القرار في الاردن عند ظاهرة الفقر ومستوياتها؛ لان المجرمين الذين سنراهم مثلا بعد خمس سنوات، هم من الجيل المحروم اليوم، من المصروف والدراسة واللباس، وهذا يعني اننا نزرع الفقر، ونقطف ثماره.
ربما باتت الذهنية السائدة ان الفقر بات مقبولا، مثلما نراه في دول اخرى، تعيش فيها طوائف منبوذة وفقيرة، ويهيم فيها الاطفال في الشوارع، وهذا امر خطير جدا، قد نصل اليه بعد قليل جراء عقم السياسات، وهذه البلادة التي نراها، والتي لا ينتخي اصحابها امام الحرمان الهائل في كل مكان.
كل سياسات الاطفاء للغضب المتولد عن الفقر قد تنجح مؤقتا، لكنها ستفشل في النهاية، حين لا تجد الدولة احدا يدافع عنها في ساعات المحن، فلا يمكن ان تطالب الجوعى والمحرومين من التعليم الجامعي، ومن الحياة الكريمة ان يكونوا حطبا في مواقد الكبار، ولاجل خاطرهم فقط، وليس لاجل اوطانهم، خصوصا، ان الوطن ليس مجرد عنوان عاطفي، بل عنوان يعني الحقوق والواجبات، وكرامة الانسان فيه مساوية لفكرة الوطن ذاتها.
كل يوم يمر تنسحق فيه عائلة جديدة، وبعضنا لا يزال يصر على ان الفقر عندنا، ما زال بسيطا، اصرار الرافضين حتى دعوة خبراء لمناقشة الى اين وصلت ظاهرة الفقر والحرمان في البلد، وما هي الحلول الواجب اتخاذها.
عن الدستور