لماذا لا يعرض الإعلام اعترافات لأسرى (داعش) ؟ ..في الحرب التي شنتها أمريكا على أفغانستان, عرض الإعلام مئات المقابلات والتقارير عن أسرى القاعدة, وعن المعتقل الخاص بهم في (غوانتانامو) ...وفي الحرب الدموية التي خاضتها الجزائر ضد الحركات الإرهابية مطلع التسعينيات, عرضت التلفزة الجزائرية تقارير ومقابلات ..عن أسرى هذه المجموعات ...
ولكن الغريب, أن عدد أسرى (داعش) قليل ومحصور ...وهذا ربما يعود إلى العقيدة القتالية التي يملكها التنظيم, فهو يفخخ مقاتليه أحيانا, وإذا وقع احدهم في الأسر, يقوم بتفجير نفسه, وبعضهم يقاتل حتى الموت ...لهذا من الصعب أن تحصل على أسير منهم .
داعش تقدم نمطا جديدا من إدارة التوحش البشري , فهي ليست دموية مع الأعداء بقدر ما هي مجرمة ودموية بحق ذاتها, وهذه الصورة للأسف لم توضح من قبل الإعلام ..فالناس لا تعرف أن المقاتل في داعش, إذا تراجع في المعركة يعتبر متخاذلا ويقتل ..وإذا تعرض للحصار يفخخ نفسه, ومن ينجو من نار القوات العراقية أو (البيشمركة)...لن ينجو من نار قادة داعش .
إن أول من كتب في إدارة التوحش هو :- (أبو بكر ناجي) ...ومن خلال سلسة من المقالات التي جمعها في كتاب , ترجمته فيما بعد وزارة الدفاع الأمريكية واعتبرته مرجعا في دراسة الحركات المتطرفة , ودعا المؤلف في كتابه , إلى إدارة التوحش فقد نظر إليه على أنه سلوك للسلطة, هدفه التمهيد لإنشاء الدولة واستقرارها ...
هناك فرق بين الدين والسيكولوجيا وما تقوم به داعش, هو سيكولوجيا متوحشه هدفها نشر الرعب, والدين هو مبرر وغطاء ...فأنا حين أتابع الأخبار ومعركة الرمادي بالتحديد ..من استعمال المدنيين كغطاء , ومن تفخيخ كل شيء ومن القتال حتى الموت ... ألمح أن ما يحدث ..هو تطبيق لنظرية التوحش على أرض الواقع .
حين يعرض الإعلام , مقابلات عن (داعش) وعن تطور الفكر السلفي , وعن انشقاقها ..وتركها منهج القاعدة, يتم الحديث غالبا من زاوية دينية وفقهية ويتم إحضار ما نسميه في الإعلام ... (المختص في شؤون الحركات الأصولية) والغريب أننا نقفز .. عما كتبه (ابو بكر ناجي) الذي أسس منهج داعش وحركتها ..وطريقة عملها ... فما يمارسه هذا التنظيم , هو سيكولوجيا جماعية ... ويجب أن يقرأ من زوايا علم النفس, وليس من زاوية الدين .. لأنهم ابعد ما يكونوا عن الدين .
داعش ليست تطورا للقاعدة, ولا للفكر السلفي ..ولا تطبيقيا حرفيا لفكر وفتاوى أحمد بن تيمية, وابن قيم .... هي نظريات صاغها (ابو بكر ناجي) قائمة على الانتقال من الحالة البشرية إلى الحيوانية, في إدارة المجتمعات والتعامل مع الخصوم وشكل بناء الدولة التي تطبق الشرع....وأشك أحيانا أن الفصام, ليس مرضا فرديا ..فهناك فصام الجماعات أيضا .
في ليلة رأس السنة , قدر لي أن اقرأ مجموعة من مقالات (ابو بكر ناجي) ...وهي قديمة نوعا ما, وكان يخاطب فيها تنظيم القاعدة ...ويبدو, أن الأب الروحي لداعش هو (ابو بكر ناجي) ..وليس (إبن تيمية) ...علينا أن نعيد قراءة المشهد في إطار المرض النفسي الذي يصيب هذه المجموعات, وليس في إطار الفتوى او الفكر السلفي .
عن الرأي