بكل وجع القلب : لماذا ؟!؟
01-01-2016 10:46 PM
قيل ، انه في التاريخ فقط ، تتمكن الأمم من وعي ذاتها وعيا تاما..
والعبارة لا تفهم على إطلاقها هكذا ، فالتاريخ لا يعني هنا البطولات والأمجاد والمعارك وقادتها ، فهذه نظرة سطحية معبأة بالأمنيات الساذجة للتاريخ ، لكن التاريخ يعني تفاصيل العيش والحياة والظروف اليومية ، التي تعكس طريقة التفكير وذهنية الأسلاف - حينها - في أمورهم وشؤونهم.
لن نتحدث عن العنف الديني وجذور التطرف فيه ، لكن سنعبر بعجالة تاريخية على ما تركته وقائع تاريخية عن مصر مثالا.. أول نهضتها وصعودها على يد "الألباني" محمد علي ، والذي تدل الوثائق على علمانيته الأصيلة قبل ظهور المفهوم والتشدق به كثيرا على لسان أدعيائه فيما بعد.
في كتاب ألفه الأمير العربي شكيب أرسلان من جبل العرب في بلاد الشام ، وعنوانه "مدونة أحداث العالم العربي ووقائعه" ويشمل الفترة من 1800 إلى 1950 ، فنقرأ في تلك الوقائع أن محمد علي بعد تسلمه سلطة الحكم في مصر أول صيف عام 1805 ، دحر المماليك المهددة مصالحهم ذات الصيف من ذات العام ، وبعدها بعام دحر العثمانيين الذي لم يستطيعوا عزله ، وفي العام الذي تلاه ، انتصر عسكريا على الإنجليز ووقع معهم بناء على طلبهم معاهدة صلح أعقبها "جلاء" الإنجليز عن أرض مصر عبر الاسكندرية.
بدأ الألباني حكم مصر بعقلية رجل الدولة ، فباشر فورا ببناء سد "الفرعونية" ، كما بدأ بإرسال بعثات من الطلبة المصريين الى أوروبا لدرس الفنون العسكرية وبناء السفن وتعلم الهندسة والحقوق والطب، ولم يكتف بذلك بل أنشأ محمد علي باشا "مدرسة للهندسة في القلعة ، وكان التعليم فيها مجاناً والحكومة تؤدي رواتب شهرية لتلامذتها" حسب النص في مدونة الأمير أرسلان.
عام 1821 ، بلغت الأراضي المزروعة في مصر حوالي مليوني فدان ، لكن الأكثر إثارة - باجتهادي - هو إنشاؤه مطبعة بولاق الشهيرة ، وكلنا درس ذلك في مناهج التاريخ ، لكن المذهل كان في "جعل نقولا مسابكي لها مديراً لطبع الكتب في الطب والرياضيات والآداب والتاريخ والعلوم الفقهية".
إن اسم مدير عام مطبعة بولاق ، أول مطبعة في العالم العربي والإسلامي ، يوحي بهويته وخلفيته الشخصية ، لكنها - آنذاك - لم تكن تعني شيئا للدولة التي يحكمها ألباني قادم من طرف أوروبا القصي ، يحمل عقلية الدولة ككيان ، لا كأشخاص.
نحن نتحدث عن وقائع وقعت في القرن التاسع عشر ، بما تشي به تلك الوقائع من طرق تفكير ، وذهنيات تحكم البشر والمجتمعات حينها.. مفترضين أن النهضة بدأت من هناك ، لتسير صعودا حسب التطور الطبيعي حتى يومنا...،.
المفجع.. حين تتبع خطا بيانيا يبدأ من تلك الفترة حتى يومنا هذا ، فإنك تنزل مع الخط ، وتواصل الانحدار كلما تقدمت ، لنجد أنفسنا "حسب خط البيان التاريخي" نستيقظ صباحا في الألفية الثالثة على خبر تفجير انتحاري إرهابي أعمى هنا او هناك.. باسم الله ليستهدف عباد الله ايضا .