لم أفهم نشاط المكتب الإعلامي في سفارتنا في الولايات المتحدة الأميركية بنقل النفي عن روبرت كاغان مستشار جون ماكين المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية من أنه (كاغان) لم يلقي محاضرة قدم فيها رؤية ماكين لحل القضية الفلسطينية بإقامة وطن بديل للفلسطينيين في الأردن.مبعث عدم الفهم أن سفارتنا ومكتبها الإعلامي تصدى للنفي وكأن \"الخيار الأردني\" وليد اللحظة وليس خياراً ممتد منذ النكبة في العام 1948 وليس خياراً استراتيجياً دُرس، إسرائيلياً وأميركياً، بعناية ووضع جانباً بانتظار اللحظة السياسية المناسبة وإذا ما سدت الطرق أمام حل ممكن ومقبول إسرائيلياً.
إن الرجوع إلى الوثائق الإسرائيلية والأميركية يكشف، دون زيف، أن \"الخيار الأردني\" على الطاولة، وما دراسة مركز جافي للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب التي أشرف عليها مارتن اندك في العام 1988 سرا لم يذع، فتلك الدراسة وضعت الخيار الأردني في سياق ستة خيارات يمكن لإسرائيل اعتماد أي منها لحل قضية الصراع وسبق هذه الدراسة عشرات التصريحات والدراسات الأمنية الإسرائيلية التي صبت في ذات السياق.
والأردن بالنسبة للأدبيات الإسرائيلية، سياسياً ودينياً، محل طمع سواء لجهة ابتلاعه أو لترحيل أزمتها الديموغرافية والسياسية إليها.
ولا أعتقد ان الإستراتيجية الإسرائيلية الخطرة تجاه الأردن تحتاج إلى بحث كثير ، فكل الدلائل التاريخية والواقعية تشي أن الوثوق بالاتفاقيات والالتزامات الإسرائيلي بالمواثيق والشرعية الدولية مسألة مبالغ بها.
من هنا، فإن تصريحات كاغان، ومرة أخرى أقول إن صحت، لا تأتي خارج سياق الفكرة التي يحملها (ماكين) اليميني المتشدد، ولا تحتاج إلى كاغان ليكشفها، وكان على المكتب الإعلامي وسفارتنا ومن خلفهما الدولة كلل، ان تذهب ليس إلى كاغان بل إلى ماكين لتقف منه على حقيقة موقفه من الصراع ورؤيته للحل، للاستشراف أولاً، ولإحراجه ثانياً، فالمسألة لا تحتمل الرمادية بل الحسم.
من ثم القول أن ردود فعل الشارع الأردني إزاء التصريحات مبالغ فيها، قول ينقصه الشعور بالخطر، فأن يقول بوش للأردن، بعد فشل حل الدولتين، \"أذهبوا إلى الفلسطينيين ودبروا أموركم معهم\" أمر، باعتقادي، غاية في الخطورة، ويؤشر على أن مسار التاريخ بات يذهب باتجاه حل الصراع على حساب الأردن بصيغة من الصيغ.
وأسأل هل شعرت السفارة الأردنية في واشنطن، وحكومتنا، بالارتياح لنفي كاغان أقواله عن الخيار الأردني، وكأنها حققت فتحاً مبيناً، وتيقنت من أن هذا الخيار لا وجود ولا أساس تاريخي له.
وإذا ما تجاوزنا التصريحات على طريقة السفارة، فإن الحديث في احتمال لجوء إسرائيل وأميركا للخيار الأردني، خصوصاً في الظروف الإقليمية الحالية، بما فيها الفشل شبه الأكيد لحل الدولتين، واستبعاد أي حل آخر لا يحمي الديموغرافيا الإسرائيلية يستدعي منا، في الأردني وفلسطين، إستراتيجية عمل، فردية وجماعية، لمجابهة \"الوطن البديل\".
ولا يجب الانتظار لحين الشروع في تنفيذ ذلك الخيار، المرفوض من حيث المبدأ، لنبدأ المواجهة، واقصد المواجهة السياسية دون أن نسقط خيار المواجهة العسكرية. وعلى الأردنيين والفلسطينيين، والفلسطينيين تحديداً، أن يتحدثوا بلغة قوية وحازمة تعبر بوضوح عن رفضهم المطلق لأي بديل غير فلسطين لتكون وطنهم الأبدي.
إن تطوير صيغة عمل مشترك، أردنية وفلسطينية، للتعامل مع تطورات راهنة ومستقبلية ضرورة ملحة لحماية فلسطين من الضياع، بعد أن ضاع ما قبل الـ48، وأيضاً هي ضرورة لحماية الأردن من مخاطر الزوال لصالح حلول إفرازها الوحيد سيكون الفوضى، والفوضى فقط.
فهل كان علينا أن نستمر إلى آخر الشوط في إستغلال تصريحات كاغان لرص الصف وتوحيد الخطاب للنيل من خيار لم يولد للتو؟ اعتقد كان علينا ذلك، إلى أن جاءت السفارة لتحبط ردود فعل كسبنا منها مزيد من الفهم للخطر ورغبة أكيده في مقاومته.