نسكت على خبر تصدير أربعة آلاف طن من الزيتون الى اسرائيل برغم الكارثة فيه والاهانة، المستمرة سنويا، غدرا لزيتونة لاشرقية ولاغربية، وننشغل بجلباب مغنية، وموقف والدها منها. نسكت على تعديلات بيع الاراضي في البترا التي تهدد المنطقة بتسلل اليهود للشراء بجنسيات اخرى، ونغضب من سعر الغرفة الفندقية في تلك المنطقة الجميلة، واجرة الحصان!.
نتعامى عن حروب شرقا وشمالا وجنوبا، في العراق وسورية واليمن، وننشغل بقبلة السفيرة، وضيافتها.
نسكت على حكومات تفكر بفرض الضرائب على المغتربين في فترة ما، ونغضب على سعر القهوة في مطار الملكة علياء الدولي، ونسكت على الفاسد اذا كان من نفس العائلة، ونغضب عليه اذا كان من عائلة اخرى.
نقيم الدنيا، على نصف دينار زيدت على اسطوانة الغاز، ثم نصفق لما نعتبره تراجعا حكوميا، ونتعامى عن رفع الماء، برغم ان كلفتها اكثر.
هذه نماذج بسيطة من سيطرة التفاهات علينا، واحدا واحدا،وعلى بوصلة الرأي العام في الاردن، وليعذرنا الناس، اذ لانضع انفسنا فوق احد، ولا في موقع الذي يحدد البوصلة، لكننا نتحدث عن استدراجنا للتفاهات.
يتم استدراجنا للتفاهات يوميا، على حساب القضايا الاساس، فتغيب القضايا الاكبر والاخطر، لصالح التراشق وشد الشعر وتوزيع الاتهامات فيما بيننا، او في احسن الحالات تغيير الاولويات.
تقوم قيامتنا ايضا، من اجل قرار بجعل امتحان الثانوية العامة مرة واحدة، ويسكتون عن مستوى التعليم السيئ، مدرسيا وجامعيا، ويتعامون عن رسوم الجامعات التي تحرق الوجوه، وفائض البطالة في الشوارع.
يقصفون رئيس حكومة لانه أكل منسفا في بيت احدهم، ومقابله يسكتون على رئيس حكومة آخر، حين يكون ضيفا في مضارب الذين كانوا ينتقدون الاول، اذ في الثانية عيب ان يتم نقد ضيفهم، وحلال نقد ضيف غيرهم.
يخرج خطيب سوري ليشتم الاردن في مخيم الزعتري على سياساته، بشأن اللاجئين فتصير هي كل القصة، وبرغم البذاءة في كلامه، الا انه لايجوز ان تغطي على مليون سوري يقولون للاردن شكرا، ولله اولا، ولايجوز ان تتسبب باستثارة لان بيننا ايضا متطرفين يتحدثون بذات منطقه المرفوض، ويعتبرون دولتنا كافرة ولابد من تقويض اركانها، فالعقل يجب ان يقف في وجه الانفعال في كل الحالات.
لماذا تطغى التفاهات على القضايا الاهم، ولماذا تسود الاختلالات والانفعالات في المعالجات الاعلامية وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وهل يمكن ان نقول اننا نساهم بطريقة غير مباشرة في تخفيف الضغط عن الحكومات ومساوئ الاداء، عبر استبدال القضايا الاهم، بالقضايا الاكثر تفاهة هنا؟!.
لااحد فينا يحجر على الناس رأيهم، لكننا نقول بصراحة ان القضايا الكبرى غابت عن الشاشات، لصالح التوافه، التي يمكن تجاهلها، او حتى في حالات اخرى منحها المساحة التي تستحقها، وليس اكثر، حتى ننبه الناس الى حالة الاستدراج الاعلامي نحو الوديان، حيث التفاهات التي يراد ان نتراشق بها، بحيث تمر القضايا الكبرى دون ان يأبه لها احد من المتابعين او المراقبين.
هي دعوة بصراحة لتجنب فخ التفاهات، الذي يراد ان نبقى فيه، وان نعود الى تحديد الاولويات، في هذا الظرف الصعب الذي يعبره البلد، وتعبره المنطقة، فنحن امام عام جديد فاصل، تنهار فيه دول، وتتأسس فيه دول، عام يعاد فيه رسم كل شيء، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
برغم ذلك، مازلنا نجد الوقت، لننفخ في الرماد، مكبرين قضايا تافهة، متناسين، ان اطفاءها ممكن بتجاهلها، او تذكر نقيضها الذي يقول العكس في حالات كثيرة.
فرق كبير بين صناعة الرأي العام، والشراكة في زفة لا نهاية لها.
الدستور