المزار الجنوبي .. قاعة الإعمار وهموم أخرى
22-06-2008 03:00 AM
كنت أحدث نفسي بالكتابة في هذا الشأن منذ زمن ولكنني في كل مرة أحجم عن ذلك خشية أن يُفسر الأمر ويحمل على محمل شخصي ، ولكن الأمور وصلت إلى مرحلة لا بد فيها من فتح النافذة على هذا الواقع ،خاصة بعدما استفزني خبران؛ الأول أوردته وكالة عمون الإخبارية كشهادة لأحد الزائرين للمواقع السياحية والدينية في مناطق مؤتة والمزار الجنوبي وتأذّيه من غياب الاهتمام والإهمال الذي تشهده هذه المواقع، والثاني ما أوردته العديد من الصحف المحلية عن اعتصامٍ أمام بلدية المزار الجنوبي نفذه الأهالي احتجاجا على اصرار رئيس البلدية تضمين قاعة مؤسسة إعمار المزار لأحد المتعهدين ، ولا يخفى على أحد أن الخبرين يعكسان بجلاء ما وصلت اليه الأمور في هذه المنطقة التي يفترض أن ينظر لها على نحو استثنائي لخصوصيتها التاريخية والدينية والسياحية. لن نجانب الحقيقة اذا قلنا أن جميع البلديات في المملكة تعاني من المديونية وبنسب ودرجات لها علاقة بجغرافية المنطقة ونشاط وفاعلية مجلسها البلدي،وان وُجد هناك عدد بلا مديونية أو بمديونية لا تدعو للقلق فهي حتما يمكن حسابها على أصابع اليد الواحدة ، ومع شعورنا بأن هذا الدين يعرقل ويحد من حركة التنمية المحلية ويجعلها في أدنى مستوياتها، الا أن ذلك لا يبرر اللجوء الى بدائل وحلول قد تزيد من نسبة التعقيدات ، ولن تؤثر هذه البدائل في تغيير الواقع المتردي في حال تحققها.
ان الحديث عن محاولة سداد ديون بلدية مثل بلدية المزار الكبرى من خلال استثمار قاعة يعتبر أمراً مضحكا ، هذا اذا كان هو الهدف الحقيقي ، أما إذا كانت عملية ( الاستثمار) تندرج تحت أهداف أخرى ربما بعضها له ذيول في الهوس الانتخابي وتوابعه اللاحقة له ، فإن ذلك سيثير في النفس كوامن الخوف من السعي الحثيث للبعض لجعل المنطقة تعيش على صفيح ساخن من الاحتقانات وإدخالها في أتون التجاذبات العشائرية المبنية على أهداف صغيرة تضيق حتى على أصحابها .
كنت أتمنى على رئيس البلدية أن تكون رؤيته لواقع هذه المنطقة وهمومها أكثر شمولية ، وأن لا تؤشر عنده البوصلة على قضايا قد تكون من الصف الرابع أو الخامس في سلم أولويات بلديته ، في الوقت الذي يدير فيه الظهر للكثير من الهموم والمشاكل الفنية والخدمية الكبيرة ، فموضوع مثل موضوع القاعة كان من الأجدى إذا أراد صالح المنطقة والنسيج الاجتماعي فيها أن يترك أمر ادارتها لتفاهمات أهل البلد ، وأن يكون طرفا ايجابيا في ايصالهم الى صيغة مناسبة لإدارة هذا المرفق بما يحقق الهدف الذي أنشيء من أجله ، لا أن ينظر الى الأمر على أنه مجرد صفقة تجارية ليس إلا ، ضاربا بعرض الحائط مشاعر وأحاسيس وعلاقات ووشائج اجتماعية لبلد كامل.
إن الحديث كما – أسلفت – عن انطباعات وملاحظات زائر للمنطقة وما حملته من اشارات سلبية يدعونا الى السؤال ماذا يفعل رئيس البلدية ومجلسه البلدي ؟ وهل استطاع بعد عام من انتخابه ( الديمقراطي )أن يصنع على الأرض ولو علامة بسيطة تقنع المراقب بأن احتجاجات بلد كامل ليست في محلها ؟!وقد يتساءل مواطن أيضا لما لم يبادر ويستغل رئيس البلدية الزيارة الملكية لطرح وبسط قضايا البلد الكبرى ؟ كقضية الأرض الوقفية والبنية التحتية لمشروع الصرف الصحي وإعادة تأهيل الشوارع التي تثير الشفقة ،بدلا من الدخول في مناكفات صغيرة لن يكون الناتج منها إلا الضغينة والاحتقان.
ولعل الظاهر من الحالة التي تشهدها مدينة المزار الجنوبي ، أن البعض يحاول التأسيس لمفهوم خاص به في إدارة عملية التنمية ، ويقوم هذا المفهوم على مبدأ البطولة الفردية والندية المبنية على أحادية الطرح وصناعة القرار، وأجزم وأنا مطمئن لذلك بأن هذا التوجه هو السبب الأهم في فشل الكثير من الخطط والمشاريع التي يُتغاضى بقصد أو بغيره عن دورالحراك الشعبي والتفاهمات المحلية والذي يشكل قاعدة أي نجاح مأمول.
وإن بقي من كلمة فهي دعوة للحكومة ممثلة بوزير البلديات وكذلك الحاكم الإداري إضافة إلى الجهات الأمنية للتنبه إلى مسألة غاية في الأهمية ،أن هذه الإجراءات غير المفهومة وغير المنطقية، ستهدد بنسف جملة العلاقات الطيبة بين مكونات هذا المجتمع ، وكذلك لا بد من الإشارة إلى انضباط أهل المزار والتعبير الراقي عن مطلبهم ،والذي يجب أن لا يقابل بمجرد تطمينيات بل بإجراءات صارمة وحاسمة لإنهاء هذا الملف الذي تغول فيه رئيس البلدية على حياة بلد بكامله.