جهاد رابطة علماء بلاد الشام اساس متين لبناء دبلوماسية شعبية
استعادة لدور العلماء القيادي ودفاعا عن نموذج التعايش والتعدد
لا مشكلة عند اللبنانيين لكنها الصراعات الدولية والاقليمية
اشعار اللبنانيين بروح الاخوة العربية وتأكيد روح الامة الواحدة امضيت سحابة الاسبوع الماضي في لبنان. في اطار مهمة وفد رابطة علماء بلاد الشام للمساهمة في حل الازمة اللبنانية. وتخفيف حدة الاحتقان. ومنع الفتنة المذهبية والطائفية من ان تعصف بهذا البلد المميز من بلاد العرب والمسلمين.
لقد كان هذا هو الهدف الرئيس للوفد ولكن المهمة حققت بصورة مباشرة او غير مباشرة العديد من الاهداف الهامة لعل في طليعتها انها وصفت لبنه على طريق اعادة الاعتبار لدور العلماء في حياة امتنا ذلك .ان تاريخ هذه الامة يرتبط ارتباطا وثيقا بموقع ومكانة ودور علمائها في مسيرتها. فما من مرحلة من مراحل تاريخ الامة اقصي فيها العلماء عن مقود القيادة الا اقصيت الامة عن موقع الصدارة في مسيرة البشرية. فالعلاقة طردية بين موقع العلماء في مسيرة هذه الامة وموقعها في مسيرة البشرية. فالعلماء على مدار تاريخ امتنا ظلوا هم راد النهضة والحرية والاستقلال والسيادة والتحديث والتنوير في مسيرتها البعيدة والقريبة وهي حقيقة من الحقائق التي تحرك عملنا في رابطة علماء بلاد الشام التي تسعى لاستعادة دور العلماء التنويري في مسيرة الامة عبر العمل الجاد. ذلك ان الادوار لا تمنح ولكنها تبنى بايدي اصحابها وموافقهم وممارساتهم سواء كان هؤلاء افراد او جماعات وجمعيات او دولا. وفي كل الاحوال يرتبط الدور والموقع بارادة صاحبه وليس بامكانياته. فكثيرون هم الذين يمتلكون الامكانيات المادية افرادا وجماعات وجمعيات ودولا ولكنهم لا يمتلكون الدور والموقع لانهم لا يمتلكون الارادة بان يكونوا روادا ومؤثرين في حياة مجتمعهم او محيطهم او على صعيد البشرية كافة. وكثيرون هم اولئك الذين تنازلوا عن ادوارهم طلبا للسلامة فخسروا الدور ولم يظفروا بالسلامة. وهو ما لا نرضاه لابناء امتنا كافة وللعلماء منهم على وجه التحديد. في هذه المرحلة التي صار فيها دور الدين يتعاظم في السياسة المحلية والاقليمية والدولية فها هو بوش يجند الاجناد ويحرك الاساطيل تنفيذا لنبؤات التوراة التي يؤمن بها ويصر على ان حروبه في بلادنا حروب صليبية. رغم ان الصليب برأ منها ورغم ان تعايشنا في هذه المنطقة من العالم مسلمين ومسيحيين وفي اطار اسرة واحدة يكذب كل ادعاءات صراع الاديان التي يبشر بها المحافظون الجدد ومن يدور في فلكهم. ولعل هذه احد اسباب استهداف لبنان واصرار القوى المعادية على ايقاعه في شرك الفتن الطائفية والمذهبية بهدف تدمير نموذج تعتز به امتنا لانه نموذج من نماذج قدرة ابنائها على العيش المشترك في ظل تنوعهم الطائفي والمذهبي. وهذه حقيقة ارتكز اليها وفد رابطة علماء بلاد الشام الى اللبنانيين كافة الذين يعيشون معا في بوتقة واحدة يصرون فيها على انهم لبنانيون اولا. وانه لا مجال بينهم لفتنة مذهبية او طائفية. ويكفي ان نعلم ان بين سنة وشيعة لبنان اكثر من ثلاثمائة وثمانين الف زيجة مشتركة. وهذا يعني في ابسط دلالاته ان اكثر من ثلث الذين يعيشون على ارض لبنان يلتقون في الجد الاول شيعيا وسنيا ولذلك يرفض اللبنانيون كل شعارات الفتنة المذهبية والعزف على خلاف سني شيعي وهو رفض اكدته كل المرجعيات الشيعية ابتداء من العلامة المرجع اية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله ونائب رئيس المجلس الشيعي الاعلى سماحة الشيخ عبدالامير قبلان وكذلك سماحة السيد حسن نصر الله الامين العام لحزب الله الذي اكد للوفد انه لا مكان للحديث المذهبي في تربية وثقافة حزب الله ولا محل لسلاح حزب الله في اي فتنة مذهبية او طائفية لا في لبنان ولا في غير لبنان. ومثل مراجع الشيعة كان الامر كذلك عند علماء اهل السنة في لبنان الذين اكدوا جميعا على وحدة الوطن والامة وضرورة حمايتهما.
ومثلما اكدت المرجعيات الاسلامية على الجوامع المشتركة للبنانيين في اطار وطنهم وامتهم. كذلك فعلت المرجعيات المسيحية اللبنانية التي التقاها الوفد وفي مقدمتها غبطة البطريرك الماروني مار نصر الله صفير وميتروبوليت بيروت المطران العربي الارثوذكسي الياس عودة الذي تأسرك رقته وعذوبة حديثة عن العروبة والاسلام. وعن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في هذا الجزء من العالم وهو ما تطابق تطابقا تاما مع مضامين نداء رابطة علماء بلاد الشام الى اللبنايين كافة عندما تحدث هذا النداء عن حماية المسلمين لكنائس المسيحيين وحماية كنائس المسيحيين للغة القرآن واشتراك المسلمين والمسيحيين معا في التصدي لكل الغزاة والمحتلين الذين مروا في تاريخ هذه الامة وهذه المنطقة من العالم. ولذلك فقد كان احد اهداف زيارة وفد رابطة علماء بلاد الشام، اشعار اللبنانيين بان امتهم معهم بالاضافة الى تحريك الاحساس بالاخوة العربية وتأكيد روح الامة الواحدة التي تجمع ابناء هذه المنطقة على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم. وهي حقيقة لمسها الوفد من الحميمية التي يتعامل بها اللبنانيون مع بعضهم البعض. عندما يلتقون ويتحدثون. فتلمس حجم الجوامع المشتركة بينهم وحجم القناعات التي تجمعهم ومدى رغبتهم في الحفاظ على بلدهم وعلى وحدتهم. حتى ان المرء يحس انه لا مشكلة في لبنان بل لقد سألنا اكثر من طرف لبناني بعد ان استمعنا اليه اين المشكلة اذن؟ وعندي وعند غالبية اللبنانيين كما لمست انه لا مشكلة حقيقية عند الغالبية الساحقة من اللبنانيين لكن المشكلة في رغبة قوى دولية واقليمية في تحويل لبنان الى ساحة لتصفية الصراعات والى مختبر لتصدير الفتن الطائفية والمذهبية وهو الامر الذي يفرض علينا جميعا ان نهب لمساعدة هذا البلد العزيز للخروج من محنته لان انقاذ لبنان هو انقاذ للامة كلها من شرك الفتن الطائفية والمذهبية. وحتى يتم ذلك فانه لا بد من اعادة الاعتبار للدبلوماسية الشعبية بعد ان فشلت الدبلوماسية الرسمية في تقديم شيء. لانها ظلت اسيرة حساب الصراعات التي تريد لبنان مساحة للتصفية لذلك فان علينا ان نسعى الى بناء حاضنة شعبية عربية واسلامية لحماية لبنان. واظن ان جهد رابطة علماء بلاد الشام يشكل اساسا متينا للبناء عليه وسيساعد على ذلك ان اللبنانيين في غالبيتهم الساحقة ينطلقون من منطلق واحد ولديهم رغبة جامحة بالعمل المشترك لانقاذ بلدهم. ويعمل من اجل ذلك بلا كلل ولا ملل رجال خلص يشكل الاستاذ محمد السماك الامين العام للقمة الروحية الاسلامية والامين العام للجنة الوطنية اللبنانية للحوار الاسلامي المسيحي نموذجا لهذا الجهد المخلص لانقاذ لبنان والامة. واعادة بناء العلاقة بين ابنائها على اسس واضحة لذلك نجدد الدعوة لاعادة الحياة للدبلوماسية الشعبية انطلاقا من مبادرة رابطة علماء بلاد الشام تجاه لبنان فقد آن الاوان كي يتحرك علماء الامة وكل فعالياتها الشعبية لاخذ المبادرة لحل مشاكلنا بايدينا لا بايدي اصحاب المصالح الدولية.
*الكاتب رئيس تحرير اسبوعية اللواء ورئيس رابطة علماء بلاد الشام