لم يكن تعطل انعقاد جلسة مجلس النواب "المناقشة العامة" المخصصة لمناقشة سياسات الحكومة الاقتصادية اول امس مفاجئا لاحد.. فهذه ليست المرة الاولى التي لا يكتمل فيها النصاب او لا يكمل.. ولكن الحدث هذه المرة اكثر اثارة من ذي قبل.. فالرئيس اسمعنا خطاباً نارياً شرح فيه نجاحات حكومته في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وقال لنا ان ما اعتقدنا انه دين ليس بدين فهو لم يسهم في رفع المديونية ديناراً واحداً، والحديث عن ثمانية مليارات كما تقول نشرة وزارة المالية التي تضع رقم المديونية عند 24.6 مليار لا علاقة له باجراءات الحكومة كما يظن النواب والمحللون.
كنا جميعا بحاجة الى ان نسمع من ممثلينا رأياً حول ما قاله الرئيس فخطاب الرئيس يصعب استيعابه خصوصا فيما يخص الدين العام الذي بدى كاحجية "فهو لم يرتفع فلسا واحد، لكنه ارتفع ولكن بسبب دعم الطاقة... ولو لم يحسب موضوع الطاقة لما كان هناك دين ...لا ادري هل كل الحكومات في العالم تجري حساباتها بهذه الطريقة فتجمع ان ارادت وتطرح ان رأت في الطرح فائدة" والاسعار والمنحة الخليجية وسياسات الرفع وان حكومته لا تنتهج سياسة الجباية.
لكل هذه الاسباب فإن المناقشة التي كان من الممكن ان تحدث في مجلس النواب حول السياسات الاقتصادية انتقلت الى البيوت والمقاهي ودكاكين الحلاقين وسيارات السرفيس وباصات الكوستر ومكاتب الموظفين وحديث الجارات وحتى بين الفلاحين والعسكر وجميعها تدور حول نفس القضايا وتطرح في النهاية سؤالا واحدا مهماً: - هل هناك حاجة حقيقية لمجلس يخشى اعضاؤه على تعهداتهم وعطاءاتهم والوظائف التي حصّلوها لابنائهم واخوانهم وزوجاتهم اكثر من حرصهم على مناقشة قضية حيوية تهم الاقتصاد ومستقبل البلاد؟
الحديث عن قانون الانتخاب واللامركزية وكل التعديلات المقترحة والغائبة لا معنى له اذا كان اعضاء المجلس لا يرون ان المناقشة العامة لبيان تناول الاقتصاد ويشتمل على الكثير من الاسئلة التي امطر بعضهم فيها الحكومة.
المديونية قضية لم يحسم رقمها والمنحة الخليجية التي قيل قبل اشهر ان نسبة الانفاق منها في الحدود الدنيا واعلنت الحكومة انفاقها بالكامل ومعادلة النفط والتعداد السكاني والاقتصاد والدين وعشرات القضايا لم تجد مكانها لاجندات الكتل التي تعيش ربع الساعة الاخير في عمرها الافتراضي.
المناقشات العامة التي تعذرت في مجلس الشعب انتقلت اجندتها الى بيوت الناس وفضاءاتهم الخاصة.. وغدا سيعود النواب الى جلسة يدور فيها الجدل والتلاوم من جديد حول مين اللي نزع السهرة ويصبح وننشغل كما انشغل نصري شمس الدين بسؤال "مين اللي فتح الردة... وليش الردة ع وردة" الى اذا هيه بتوصل من هون ..انا بتركها من هون".
مشكلاتنا عميقة وطريقنا طويل وصعب والحديث عن تطوير التشريعات كوسيلة للاصلاح السياسي لا يختلف كثيرا عن تورط اهالي الجنوب في البيع والارباح الوهمية التي اغرت الكثير من اليائسين للانجرار وراء ارباح وهمية فيما سمي بالتعزيم..
الاصلاح يحتاج الى تغيير في النهج يتجاوز الجدل حول اي التشريعات يناسب المرحلة فكل التشريعات لا تناسب اذا لم تكن النفوس نزيهة واذا استمررنا في اجراء الانتخابات لفرز الاشخاص الذين وقع عليهم الاختيار قبل التصويت.