قرأت وسمعت تعليقات عن لقاء وزيرة الخارجية امس مع وزراء الرباعية العربية. وعن جولتها في بعض عواصم المنطقة واسرائيل, بان التوقيت يؤشر على تدخل امريكي وممارسة ضغوط على العواصم العربية عشية انعقاد قمة الرياض.مثل هذه التكهنات تبدو قريبة من الواقع بالقياس بما دأبت الدبلوماسية الامريكية على عمله خلال السنوات الاخيرة, خاصة تلك القمة الشهيرة في شرم الشيخ قبل غزو واحتلال العراق, بل ان تاريخ القمم العربية يحمل الكثير من الشواهد على الضغوط الامريكية, والرسائل المتشددة التي كانت توجهها واشنطن من اجل فرض مواقف معينة اما لمساندة اسرائيل, او للضغط على الفلسطينيين, او العراقيين واللبنانيين.. الخ.
لكن ايضاً, هناك ما يكفي من الشواهد في تاريخ القمم على رفض الضغوط الامريكية وتجاوزها وعدم الرضوخ لسياسات الاملاء التي تمارسها واشنطن, فقمة بيروت عام ,2002 اقرت المبادرة العربية, وهو ما اغضب شارون فقام باجتياح مناطق السلطة الوطنية, كما ان قمتي تونس والجزائر لم تتوقفا عند شعارات الاصلاح الامريكية وضربتها عرض الحائط.
موقف واشنطن من القمة العربية او اجندتها اصبح جزءا من مقدمات اجتماع الزعماء العرب وتفاعلاته. واذا اردنا ان نحيط بصورة المشهد السياسي العربي الراهن, فمن المنطقي ان نتوقف طويلا عند مهمة رايس ونحاول البحث في اوراق الوزيرة وما تريد.
لاول مرة, هناك بوادر موقف امريكي مختلف من عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وان توقيت مهمة رايس يجعل اهمية قمة الرياض اكبر مما هي عليه فعلا. ان اهتمام واشنطن باجندة مباحثات الزعماء العرب يمكن ان يكون دافعا لهؤلاء الزعماء من اجل اتخاذ مواقف قومية قوية, من شأنها ان تؤثر على الاجندة الامريكية وتدفعها بالاتجاه الصحيح والفاعل.
كما ان اطلاع العواصم التي ستزورها رايس على اخر مستجدات الموقف الامريكي من القضية الفلسطينية, سيكون مفيدا عند صياغة الموقف العربي الشامل من هذه القضايا, وذلك, ليس بمعنى, الاستجابة للضغوط والاملاءات الامريكية, ان وجدت, ولكن بمعنى الرد عليها وتصليب الموقف الفلسطيني والعربي تجاه الحقوق وفي مقدمة ذلك انهاء الاحتلالات, واعادة الامن والاستقرار الى المنطقة.
تبقى الاشارة الى وجود تطور ملفت عند رايس وعند اولمرت ايضا, وهو هذا الحديث عن قبول وتفعيل مبادرة قمة بيروت. انه بالفعل تطور هام, يقتضي امرين "1" ان تتمسك قمة الرياض بالمبادرة كاطار للحل ورفض تعديلها بحجة التفاوض "2" الانتباه من الانزلاق الى فخ اسرائيلي يريد دفع العرب الى "التطبيع" من دون انهاء الاحتلالات, ضمن سياسة الوعود والحلول المؤقتة السيئة الصيت.
حتى لا يكون قبول رايس واولمرت للمبادرة العربية فخا, او خديعة, او محاولة "لتنفيس" الموقف العربي, يملك وزراء الخارجية العرب الفرصة لصياغة موقف متماسك وقوي, حتى تكون قمة الرياض قمة الحضور العربي بعد غياب طويل, قمة احياء التضامن والدعم المفقود منذ سنوات لقضية فلسطين.