(ثبط) في اللغة تأتي بمعنى "شغل" ، فنقول ثبط فلان فلانا عن أمرا، شغله عنه .(المعجم الوسيط) و والتَّثبيِطُ أن يحال بين الإنسان وبين ما يريد، يقال ثَبَّطتُه عن الشيء: إذا بَطَأتَ به عنه. وتَثَبَطَ: تَوٌقَفَ ( المنجد).
أما في الواقع المعاش فهو أداة قاتلة لبث السم في الدروب واغتيال الاحلام وسرقة الامل من نفس كل من يتطلع لغد أفضل ومستقبل أحلى.وهؤلاء منتشرون كالنمل في كل مكان ، وفي جميع الزوايا ، واننا لنصادفهم في مدارسنا ومنازلنا وجامعاتنا وأماكن عملنا و جلساتنا العائلية...
أولئك مجبولون على حب النقد الهدام والتفنن في تحقير المنجزات والرغبة العارمة في تدمير المعنويات، اولئك الباهتون ، الفاشلون ، الذين يتلذذون بسرقة أمانينا وتذويب ثقتنا بانفسنا,,,والذين يستكثرون على انفسهم وعلى غيرهم المقدرة على الحلم والانجاز...اولئك المثبطون..المحبطون..هل لنا منهم خلاص؟
اجد نفسي أحيانا أتسائل ،ترى هل كنا سنستمتع بارث طه حسين الادبي لو تمكن المثبطون منه؟ وما حجم الخسارة التي كنا سنعاني منها لو لم تتفوق (هيلين كيلر) على عجزها وتفتح آفاق الأمل لملايين من الأطفال الذين جاؤوا بعدها؟
لقد بات النقد الجارح والاستخفاف بالأمال لعبة مفضلة لدى الكثيرين في مجتمعاتنا، ومن المحزن حقا أن هؤلاء يعتقدون أنَّهم يقدمون لنا شيئا من خلال نقدهم وتشنيعهم وتحطيمهم لجهود الآخرين ، وأنك لتراهم يرمون الحجارة في طريق كل ذي شأن ، عوضا عن ان يشمروا عن سواعدهم ويشحذوا عقولهم ويستأصلوا العفن من أرواحهم... ان مثل هذه النماذج تتمثل في عدة صور وتتمركز في الكثير من المواقع الحياتية المهمة.
فقد يكون المثبط معلماو محاضرا،وقد يكون رب عمل، او مديرا في شركة، أو ناقدا أدبيا ، أو كاتبا صحفيا ، أو قائدا ، بل وحتى صديقا .... و قد يمتد ليكون منظومة كاملة من العادات والتقاليد البالية..
فحتى الامثال الشعبية والمتناقلة ، تعزز مخاوف الافراد من الاقدام، وتغرس فيهم قيم التخاذل والاستسلام والقبول بالواقع..
"امش الحيط الحيط وقول يارب الستر"... " من يرضى يعيش.."... " بعد ماشاب ودوه الكتاب..." " من يتزوج أمي فهو عمي..."...
وغيرها الكثير من العبارات المدمرة والتي مابرحنا نرددها في كل محفل، ونحن نعتقد اننا بذلك نسدي النصح لمن يعز علينا، ونجنبهم الأخطار، دون أن نعي اننا حقا، نحطم آمالهم، ونحرمهم من أبسط احتياجات الانسان الحي، ألا وهي حرية الحلم، والعمل من أجل الوصول الى تحقيق ما ينشدونه، والذي قد يتعدى كونها أهداف فردية لتصبح مفاتيح انطلاق لمجتمعات بأكملها..
ما زلت أذكر (حنين)..زميلتي أيام الدراسة المتوسطة، كانت شديدة الذكاء، تشتعل حماسة وانطلاق، كل ما فيها كان ينطق بالحياة،...(حنين)..كانت كتلة تفاؤل تمشي على الأرض، فالتقديرات الدراسية مرتفعة، والمعنويات أعلى... وكنا نستمع اذ تتكلم هي عن الانجازات التي تنوي تحقيقها، وعن الأماكن التي تنوي زيارتها وعن الأشخاص الذين ستصادفهم على مر الطريق..كانت تتكلم...وفي الوقت ذاته تنثر بذور الطموح فينا، وكنت لأجزم أيامها، أن اسم (حنين) وصورتها سيتصدران العناوين الأولى خلال بضعة أعوام..كباحثة أو مخترعة أو وزيرة أو ناشطة احتماعية، أو أي شئ أخر، لكنه سيكون حتما ذا قيمة..لكن عوامل التثبيط والتكسير تتدخل، وتفلح ضغوطات العائلة ومنطق الوالدين الداعي الى السترة في اقناع (حنين) ان اكمال الدراسة هو ضرب من العبث الذي لن يضيف شيئا الى وجودها كأنثى وأن عش الزوجية سيحتفي بها أكثر ان لم تتعدى سنواتها السبعة عشر,,وتختفي أحلام (حنين),, وتزداد قناعتي المبكرة بأن تيار الاحباط والجذب المجتمعي لابد سيغتال احلاما أخرى..
والصورة التي اوردتها ليست نادرة ولا وحيدة..فبيوتنا ليست وحدها معاقل الاحباط ، فقد يحدث ما هو أسوأ في صفوفنا الدراسية، فكم من طالب غض ومجتهد تحول الى مشروع فشل بعد ان تلقى كلمات قاتلة من معلم مهزوز وكم من مشاريع واعدة توقفت لأنها لم تجد من يتبنى تنفيذها وكم من قصة نجاح قتلت في المهد بعد ان أطلقت عليها رصاصات الاستهزاء والسخرية وكم من موظف واعد أجهضت قدراته بعد ان استمع للنقد الجارح الذي تفوه به رئيسه في العمل وأدت الى تقوقعه بعدها خوفا على لقمة العيش مفضلا اياها على التصدي لمعوقات نجاحه..
صور عدة، تحتل ايامنا..وتزعجني ...وأمقتها...
وأشد ما أرغب هو أن يكف هؤلاء المثبطون عنا..أن يكفوا عن اشعال النار في أحلامنا..
أنا أحلم بغد أنقى.... يكف فيه الأب عن ايذاء ابنائه من غير أن يشعر ،،ويبدأ فيه بالاستماع لأمانيهم واحتضان مواهبهم والاستمتاع برؤيتهم يدرجون على طرقات النجاح دون كبت وقمع واجساس بالذنب،،حتى يتذوق عسل الثمر الذي زرع..
غد أروع...يربت فيه المعلم على أكتاف طلبته أجمعين ويتفهم فروقاتهم الفردية ويكون مصدر الهام لنجاحاتهم ويكف فيه عن استخدام العبارات المهينة والمؤلمة والتي تضعضع الثقة بالنفس..
اتمنى لو أرى غدا أجمل..يتعاون فيه زملاء العمل على تحقيق اهدافهم المشتركة دون الالتفات لترهات الرؤساء الذين يرون في نجاح مرؤوسيهم تهديدا لصلاحياتهم..
غد يكف فيه أصدقائنا عن لجم تطلعاتنا بانتقداتهم اللاذعة ويتوقفون عن تشكيكهم في جدوى جهودنا ويشاركوننا رؤيتنا وان اعتقدوا بصعوبة تحقيقها..
لكن أشد ما أتمناه..هو أن تسعفني الأيام لأرى مجتمعا صحيا، نقيا، متخلصا من شوائب الاستسلامية والتخاذل..مجتمعا يدعمك لا يسحقك..
مجتمعا استطاع الترفع عن استخدام كلمات مثبطة مثل (عيب) و(حرام)و (لايجوز) و(مستحيل) في غير موضعها...مجتمعا تفوق على ثقافة العيب المزعوم ومفردات الممنوع العجيبة التي أوردها دون أن نتذكر متى ، في قائمته..
فالعيب هو أن تشعر بالعجز وأنت تمتلأ طاقة..والحرام هو أن تحطم قلبا يحمل من الطموح المشروع أضعاف ما تستطيع استيعابه.. والمستحيل,,,أنا لا أؤمن حتى بوجوده,,فالارادة القوية والعزم الشديد والرغبة المحمومة في تحقيق شي ما، لا تضمحل امام كلمات واهنة يطلقها شخص ضعيف وحبان ومستسلم..
لهؤلاء أقول,, (كفوا عنا)..و لؤلائك الذين يتلذذون باغلاق نوافذ الامل في وجوهنا أهمس...
"Im not going to limit myself just because people wont accept the fact that I can do something else"
وأمد ذراعي الى الاعلى.. وكلي أمل...وأرتفع، رغم أني في مكاني,, لكني أكاد أرى أناملي تلمس الأنجم..
rubazeidan@yahoo.com