استطلاعات الرأي" و"فيسبوك" و"سِلفي" .. وتقييم الإدارات الجامعية
د.عدنان هياجنة
27-12-2015 03:27 PM
"استطلاعات الرأي" أداة مهمة لجمع بيانات "غير متوفرة" عن أية مجتمع أو مؤسسة، وتستخدم – عادة – للتعرف إلى توجهات أفراد المؤسسة، ضمن آليات محددة (كالعينة العشوائية) لغايات تعميم النتائج، بما يحيل "فرصة" كل فرد إلى أكثر من صفر ليكون جزءاً من عينة الدراسة، ما يجعلها أفضل من دراسة كل أفراد المجتمع.
"الاستطلاع" – كفكرة – له جوانب مضيئة، واحدة من بينها إشراك الأفراد في عملية صناعة القرار، ومعرفة تطلعات وتوجهات المستهدفين بالقرار، بما يسهم في ترشيد صناعة القرارات وإضفاء "الشرعية" على القرار، وتنمية الاحساس بالمسؤولية، وأخيراً تُسهم في "دمقرطة" عملية اتخاذ القرار، ومن فضل القول الاشارة إلى دورها في جميع مناحي السياسة العامة في الدولة الأردنية، وغيرها من دول العالم.
فإذا كان هناك اتفاق على أهمية "استطلاعات الرأي"، فما المانع لتطبيقها في الجامعات (أهم بيوت بناء الإنسان)؟؛ فقد تكون أداة مناسبة لمعرفة توجهات كافة أطراف العملية التعليمية الجامعية (الطلاب، الهيئات التدريسية، الهيئات الإدارية، الانشطة العلمية واللامنهجية، ...إلخ)، ببساطة توظيفها في معرفة كل ما يدور في الجامعة.
قد يقول قائل إنها مستخدمة؛ نعم استخدامها مقتصر على "تقييم الطلبة للمادة العلمية ولعضو الهيئة التدريسية"، وهذا ليس بيت القصيد.
المقصود بدعوتي توظيف اداة استطلاعات الرأي، باعتبارها "وسيلة ديمقراطية"، لمعرفة "مدى الرضا" عن سياسات الجامعة وتوجهاتها، خاصة أن كل الخبرات والأدوات متوفرة لدى الجامعة للقيام بذلك، وبتكلفة بسيطة، وبشكل دوري، والهدف للعملية برمتها الإجابة على استفهام مقلقة من قبيل: "هل نسير في الطريق الصحيح؟"، و"هل العلاج فعّال؟"، و"هل النتائج واعدة؟"، و"هل نحتاج تغيير العلاج أم المعالج؟".
لا يُعقل أبداً أن ننتظر أربع سنوات، يتخرج فيها عشرات الآلاف من الطلبة، لتقييم أداء رئيس جامعة وفريقه، ومعرفة مدى نجاحهم في إدارة الجامعة، وأيضاً لا يمكن أن يكون التقييم "فقط" عن مدى حرمان مجتمع الجامعة (من الأنشطة والرحلات والمختبرات والمكتبات والاشتراكات في القواعد العلمية) من أجل تحقيق وفر مالي، فهذا يذكّر برّب الأسرة البخيل، الذي يحرم أبناءه من أي فسحة لصقل شخصيتهم، ما يؤدي إلى تخريج أجيال لا تعرف، وعاجزة عن التعامل مع العالم، لأنه قضى وقته في أجواء لا تمت للواقع بصلة.
مبدأ المشاركة في صنع القرار ينبثق من محور الحاكمية والإدارة الجامعية، التي ناقشتها الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي؛ فالدور الرقابي يجب أن يكون للطلبة (باعتبارهم أصحاب الرأي العام)، بالإضافة إلى مجلس الأمناء، ويجب ألا ننسى قياس دور المجتمع المحلي، وتقييم أبناء المنطقة، وكيف ساعدتهم الجامعة في الرقي والتقدم، ليس من خلال "تعيينات الترضيات"، إنما من خلال إقامة مشاريع في المنطقة وتقديم دراسات والتفاعل الإنساني مع البيئة المحلية.
تفعيل وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، ... إلخ)، التي في أصلها ولدت من رحم مؤسسات جامعية كمشاريع تخرج للطلبة، يعتبر تفعيلها أمراً في غاية الأهمية، ويجب أن ترافق قياس الرأي العام، فهي وسائل تتناسب مع التطورات الحديثة، ومع خصائص المجتمع الجامعي، الذي أصبح الهاتف الذكي جزءاً من منظومته.
واجب وضروري أن يقيّم أداء القيادات الجامعية من خلال تفاعلهم مع المجتمع الجامعي، ليس فقط من خلال الطرق الكلاسيكية، المتمثلة بلقاء الطلبة الجدد في العام الأول، واللقاء الثاني والأخير في حفل التخرّج!، بل يجب أن يقرأ الطالب لرئيس الجامعة، بشكل يومي، عبارة أو نصيحة أو فكرة، ويجب أن يستمع أيضاً لكل ذلك؛ فنظريات السياسة العامة تعتمد مقولة أن كل "السياسات محلية"، طبعاً هذه الأمور تأخذ وقتاً من إدارة الجامعة، وتُلقي على كاهلها الكثير، لكن العاملين في الجامعات كثر ويمكن تشغيلهم في مشاريع نافعة كهذه، فضلاً عن أن عمل رئيس الجامعة ليس محصوراً بين ساعات محددة، فالأصل أن يكون على مدار الساعة، ويتضمن النزول إلى الميدان، والتواصل الإنساني مع الطلبة والزملاء بشكل يومي، وكذلك أخذ "صور سِلفي مع الطلبة".
وظائف رؤساء الجامعات واسعة، وتتضمن "معالجة تركة الإدارات السابقة" و"عدم استخدام نظرية الشماعة لتبرير الواقع المرير"، فالسائد أن يضع الرئيس اللّوم على من سبقه، ما يقود في المحصلة إلى جيل لا يتحمل المسؤولية، جيل يفسر كل الظواهر بالاعتماد على "نظرية المؤامرة".
نحن بأمس الحاجة للقفز فوق الفجوات الحضارية لمتابعة التطورات العلمية برؤى وطنية شاملة وواضحة، تحقق انجازات وتترك أثراً على الواقع، وليس على الورق، وهذا ما قاله وزير التعليم العالي والبحث العلمي تماماً في تقديمه لـ "وثيقة الخطة استراتيجية للتعليم العالي والبحث العلمي"، وأقتبس منه قوله: "والوزارة إذ ترسم مستقبلها، محققة أحلام الأردنيين وطموحاتهم شعبا وقيادة، تبني على ما تراكم من خبرات ومعارف، وتجاري التطورات المتلاحقة في العالم من تكنولوجيا متناهية الدقة، وثورة الاتصالات وإبداع لا متناه في كل العلوم".
لمعرفة هذه الطموحات نحن بحاجة إلى تفعيل والاستفادة من كل وسائل التواصل والقياس العلمي المتاح في كل مناحي عمل الجامعات.