الشبكة العربية للسيادة على الغذاء .. سلاح عربي بإمتياز
اسعد العزوني
26-12-2015 03:50 PM
ما من شك ، أن الغذاء سلاح إستراتيجي ، ومن إمتلك السيادة عليه ، ضمن كافة مخرجات السيادة من إستقلال وتنمية وعزة وكرامة ، وأعداؤنا يعرفون ذلك جيدا ، وقد تعاملوا معنا وفقا لفهمهم لهذا السلاح ، وهذا ما جعل مجلس الأمن المتصهين يقيد العراق قبل إحتلاله بمبدأ النفط مقابل الغذاء ، ولا داعي لفتح هذا الملف لحاجته إلى مجلدات.
من يتمعن في الواقع العربي وخاصة ما بعد تفجر النفط ، والتمتع بالبترو- دولار ، يجد أننا إرتكبنا أكبر جريمة في التاريخ ، وهي أننا خالفنا نبي الشعراء العرب الذي قال قبل أكثر من مئة عام في منفاه الإختياري بأمريكا اللاتينية :"ويل لأمة تأكل مما لا تزرع ، وتلبس مما لا تصنع".
وقد باتت المساحات العربية الشاسعة نهبا للأشجار الشوكية غير المثمرة والتصحر ، علاوة على خطيئة كبرى ، وهي أن أرضنا الحمراء تحولت إلى مقابر للإسمنت ، من خلال بناء العمارات السكينة ، فيما نمتلك من الصحاري المساحات الشاسعة ، ولعل الشعب الفلسطيني في الضفة الفلسطينية يعرف ذلك جيدا ، لأن الغالبية من المزارعين تركوا أراضيهم وزيتونهم للعمل في المصانع الإسرائيلية ، بسبب عدم توفر الدعم العربي لأسس الصمود ، كما أن سكان الريف الأردني أيضا هجروا أراضيهم وزحفوا إلى عمان للعمل في مؤسسات الدولة.
إرتضينا بذلك أن نأكل من قمامات العالم ، وقالها وزير صحة أردني سابق أننا نأكل غذاءنا من قمامات العالم ، ففقد منصبه ، والأدهى من ذلك وأمر ، أننا بتنا نأكل من الصناعات الإسرائيلية ، دون أن نعلم أن هناك نصا في التلمود يقول :" أرسل لجارك الأمراض "، وهذا ما يفسر التزايد المقلق لحالات السرطان تحديدا في الأردن وفلسطين ، بسسب أولا التسريبات الصادرة عن مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي الذي شاخ منذ زمن ، وثانيا نتيجة لتناول المنتجات الغذائية الإسرائيلية.
ما نعاني منه أيضا هو أن مستدمرة إسرائيل اليهودية الخزرية المتصهينة ، تدفن نفاياتاها في المناطق التي تضم مصادر مياه جوفية ، بهدف تسميم الفلسطينيين، كما أنها ومن أجل حرمان الفلسطينيين من أراضيهم الخصبة ، حتى لا يتمتعوا بعذاء سليم ينتجونه بأيديهم ، تعمد إلى السيطرة على هذه المناطق الخصبة ومصادر المياه ليس في فلسطين فحسب بل في الأردن أيضا ، حيث مياه الباقورة ، كما أنهم سرقوا تربة جنوب لبنان الحمراء ومياه الليطاني عند بدء غزوهم للبنان صيف العام 1982 ، بتسهيل من نظام حافظ الأسد المقبور .
حاليا هناك بصيص أمل ، نأمل من أحرار العرب حراسته وتسييجه وحمايته بالجهد والنوايا الصادقة ، ليتحول إلى أمل واسع بالسيادة على غذائنا ، وحماية أجيالنا من سموم الآخر ، وحتى لا نتعرض لحصارات غذائية ، ونصبح تحت رحمة هذا الاخر.
بدأ المشروع بإنطلاقة "العربية لحماية الطبيعة " في الأردن ، وأخذت على عاتقها مقاومة الإحتلال بطريقتها ، وهي إحياء الأرض وإعمارها بالشجر لضمان بقاء البشر عليها ، وإعانتهم بالصمود ، وتحت شعار :" كلما قلعوا شجرة سنزرع عشرا".
كما أنها لم تنس الأردن إذ تسهم في تخضيره قدر الإمكان ، وجاءت مبادرة النشمية الأردنية إلهام العبادي من قرية بيوضة في محافظة البلقاء بعنوان "إزرع أكثر "، لمواكبة هذه الهدف ، ونتمنى من الجميع أن تعمم هذه المبادرة على كافة أرجاء المملكة ،وألا نتظر الحكومة أن تفعل ذلك ،لأنها لن تتحرك في أمر كهذا.
أنجزت العربية لحماية الطبيعة بجهود المهندسين اللبناني حسن الجعجع وزوجته الفلسطينية المهندسة رزان زعيتر ، وقد إنضمت إليهما النشمية إبنتهما مريم ، كل ذلك تحقق بفعل المؤازرين والمساندين الشركاء لهما في هذا المشروع ، وقد نجحت العربية في زراعة مليوني شجرة وهاهي تبدأ في المليون الثالث.
إنتقلت العربية لحناية الطبيعة من الأردن وفلسطين ، لتضع بصمتها وتحقق نجاحاتها المتعاقبة على الساحة الدولية من خلال تسجيل نجاح آخر تمثل في التشبيك مع أحرار العالم ، وحجزت لها مقعدا دائما في المؤتمرات العالمية ذات الإختصاص ، وأدخلت مفهوم الإحتلال وإدانته في تلك المؤتمرات.
لم تكتف العربية بهذا المجد ، بل وسعت دائرة نشاطها العالمي وقرعت باب الغذاء ، موجهة صفعة قوية للنظام الرسمي العربي، الذي أثبت عجزه عن التقدم ولو قيد أنملة في هذا المجال عالميا ، وقد طالبت بالسيادة على الغذاء العربي أولا ، ولعل هذا الطرق وبهذه الطريقة ، قد أثار أعشاش الدبابير في الدول المتقدمة الغربية التي تصدر إلينا قمامتها مغلفة بالسوليفان المذهب على أنها غذاء.
فهمت العربية لحماية الطبيعة اللعبة ، ومارست قناعات مؤسسيها بطريقة مدروسة تبدأ بالصمود والثبات المحلي والتشبيك الخارجي ، والتمسك بالمبدأ ، وبات لها أصدقاء مميزون ينافحون مثلنا عن حقوق شعوبهم المهدورة ، كما انها تركت بصمتها في مؤتمر روما الأخير للغذاء.
بالأمس شاركت في مؤتمر نظمته العربية لحماية الطبيعة بعنوان "مؤتمر الأمن الغذائي والشراكسة المؤسسية " وضم أطرافا عربية متعددة من دول المغرب العربي ولبنان والعراق وفلسطين واليمن إضافة إلى الأردن البلد المضسف ، وكذلك منسق شبكات آسيا الغذائية من الفلبين .
ما أثلج صدري وأنا أستمع للمناقشات والمداولات ، أن الحرية كانت هوية الجميع ، إذ أن المشاركين الآسيويين ومن خلال منسقهم الفلبيني كانوا حاضرين في يتلك النقاشات ، لأنهم يتمتعون بنزعات وطنية وقومية وإنسانية ، وما أثلج صدري أكثر أن المشاركين تجاوزوا مواقف حكوماتهم بما يزيد عن المسافة ما بين الثرى والثريا ، ولم لا وهم يمثلون الشق الآخر من منظمات المجتمع المدني والحركات الإجتماعية الوطنية البعيدة عن التمويل الأجنبي المشروط والمشبوه ، وهذا ليس بغريب عليهم لأنهم يعملون لحرية شعوبهم وسيادتهم على غذائهم.
المفرح جدا أن الأعضاء المشاركين ، وقد خضت الكثير من النقاشات المعمقة معهم ، كانوا مسلحين بالعلم والمعرفة والثبات والإلتزام ، وفيهم من النساء من إذا أنصفناهن ، إعترفنا أن الواحدة منهن تساوي ألف رجل من إياهم ، حتى لو إزدانت صدورهم وأكتافهم بالنجوم والأشكال المعدنية اللامعة.
لقد إنبثق عن هذا المؤتمر إنطلاق الشبكة العرية للسيادة على الغذاء رسميا ، وهذا سلاج جديد سوف نحقق من خلاله في حال تضافر جهودنا جميعا ، الشيء الكثير ، وأدعو هنا الأمة بأسرها إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية حكما ، والغربية على قدر الإمكان ، على أن يعمل المنتج العربي على تحسين منتجه الغذائي كي يصبح للمقاطعة سبب وجيه.