مر وقت كانت الحكومة خلاله تدعم الكهرباء بحوالي 5ر1 مليار دينار سنوياً، وتدعم الماء بحوالي نصف مليار دينار دون أن يرد ذكر لكلفة هذه (المكرمة الحكومية) ضمن بند النفقات المتكررة في موازنة الدولة. ولولا هذا الترتيب المحاسبي (الذكي) لانكشفت حقيقة أن العجز في الموازنة هو أضعاف المبالغ التي تذكر في قانون الموازنة.
الطريقة سهلة، وهي أن تمسك شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه حسابات مستقلة بعيداً عن الموازنة المركزية، وأن تغطى الخسارة (الدعم) بقروض مصرفية بكفالة الحكومة، وبذلك تذهب كلفة الدعم مباشرة إلى حساب الدين العام دون المرور ببند النفقات المتكررة في الموازنة.
هذا السلوك يفسر الفرق الشاسع بين عجز الموازنة وزيادة المديونية، مع أن المفروض أن يكون الرقمان متساويين لأقرب دينار، لأن المديونية لا تكون إلا لسد العجز.
لو أن لوزارة المالية مدقق حسابات قانوني، فإنه لن يشهد بأن الموازنة العامة تعبـّر عن المركز المالي الحقيقي للخزينة، لأن هناك نفقات ضخمة تصرف فعلاً، ولا يعترف بها في السجلات.
نحن الآن أمام حالة قد لا تحقق فيها شركة الكهرباء الوطنية المزيد من الخسائر طالما بقي سعر البترول العالمي في الحضيض، ولكن ماذا عن مليارات الدنانير من الخسائر المتراكمة؟. هل سيتم ترحيلها إلى الحكومة القادمة؟.
كان المفروض أن تغطي تعرفة الكهرباء كلفة إنتاجها على الأقل، ولكنها لم تفعل. أما الخسارة فلا بد أن تتحملها جهة ما، وليس هناك سوى المواطن دافع الضرائب.
معنى ذلك أن تسعير الكهرباء تقرر بحيث يستفيد المستهلكون لمدة خمس سنوات بمتوسط مليار دينار سنوياً، شريطة أن يدفع الجميع لمدة خمس سنوات أخرى ليس فقط كامل كلفة الكهرباء التي يستهلكونها، بل ما يكفي لتسديد فاتورة الدعم السابق أيضاً.
لقد جرى تأجيل دفع الكلفة، أي ترحيل المشكلة للمستقبل، وهي سياسة أخذت بها الحكومات المتعاقبة حماية
لشعبيتها.
وحتى عندما كانت الحكومة تشرب حليب السباع، وتقرر رفع التعرفة لتغطية ولو جانب من الخسارة، كان النواب المحترمون يتصدون لها، ويضطرونها لتجميد الزيادة أو تخفيضها إلى النصف فهم أيضاً حريصون على شعبيتهم.
العدو الحقيقي لصنع القرار الأردني السليم هو أولوية الشعبية، فمن أجلها تهون التضحية بالمصالح الحقيقية للوطن.
الرأي