إنهم يرقصون فرحا بحرق أطفالنا
ياسر زعاتره
26-12-2015 03:05 AM
لم نكن في حاجة إلى ذلك الفيديو الذي اجتاح مواقع التواصل خلال اليومين الماضيين، لكي ندرك أننا إزاء كيان عنصري، مدجج بالتطرف والغطرسة، فما يفعله المستوطنون، وما يفعله جنود الاحتلال على الحواجز وفي كل مكان يؤكد ذلك، فهذا كيان يطبق الديمقراطية وقوانين الحريات على اليهود فقط.
في الشريط المشار إليه عرس لأحد المستوطنين الذي يشتهرون بمسمى “فتيان التلال”، وهم الأكثر تطرفا بين المستوطنين، وإن يكن جميع هؤلاء من هذا اللون (يزيد عددهم عن 400 ألف في الضفة الغربية)، ولكن اللافت أن الرقص يتم على إيقاع الاحتفال بحرق الطفل علي دوابشة وأسرته.
في يديعوت وصف للحفل بالقول: “المحتفلون رقصوا وغنوا على أنغام أغاني الثأر، ورفعوا في أيديهم زجاجات حارقة كرمزلإحراق منزل عائلة دوابشة، ولوحوا بالبنادق والمسدسات وفي ذروة الرقص غرسوا سكينا في صورة علي دوابشة الذي احترق حتى الموت. وغنى المحتفلون أغاني الثأر التي كتبت ردا على عمليات نفذها الفلسطينيون”.
وفي موقع آخر نجد أن الجمهور في شريط الفيديو، كان يردد كلمات أغنية تضم فقرات من التوراة تتحدث عن شمشون، الذي أُعمي في غزة، وقوله: “يا سيدي الرب، أذكرني وشددني يا الله هذه المرة فقط، فأنتقم نقمة واحدة عن عيني من الفلسطينيين”.
وفي حين ازدحمت الصحافة الإسرائيلية بالإدانة للشريط، وبالحث على مواجهة هذا اللون من المستوطنين، وهو ما يتكرر دوما، فإن واقع الحال أن هذه الممارسات تتكاثر، ومؤيدوها يتكاثرون أيضا، وهي ظاهرة لم تعد حكرا على المستوطنين، وإنما تمتد لتطال سكان المدن والمناطق الأخرى في الأراضي المحتلة عام 48.
من الصعب حشر المجتمع الصهيوني في إطار هذا اللون من البشر، فكما ثارت ضجة حول الشريط المذكور، كانت هناك ضجة أخرى حول جمعية “لنحطم الصمت” التي يتولاها جنود إسرائيليون قرروا فضح ممارسات جيشهم ضد الفلسطينيين، وثمة أصوات أخرى ترفض العنصرية.
لكن واقع الحال أن المجتمع الصهيوني بات يراوح بين اليمين، واليمين المتطرف، والقلة تذهب في الاتجاهات الأخرى. أما الأهم فهو العبث الذي يتمثل في حشر عنصرية الصهاينة في هذا اللون من الممارسات الأكثر تطرفا، من قبل المستوطنين، والمتطرفين الآخرين، ذلك أنعنوان التطرف الأهم عمليا هو الميل نحو المواقف السياسية التي ترفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، حتى ضمن إطار ما يسمى قرارات الشرعية الدولية، فكم هي مثلا نسبة من يؤيدون التنازل عن القدس الشرقية بين الإسرائيليين، وكم هي نسبة من يقبلون بتجسيد حق العودة، أو بالانسحاب الكامل إلى حدود 67؟!
يعيدنا هذا الأمر إلى الخطاب الديني الذي يعزز تلك الممارسات من قبل المستوطنين المتطرفين، ذلك أنه لا الحاخامات الذين يفتون، ولا من ينقلون الفتاوى يتجاوزون الشريعة اليهودية وموقفها من الآخر، حسب نصوصها المتاحة راهنا، ومن يقرأ التوراة، سيرى كيف أن “الرب” هو عمليا قائد في جيش مهمته قتال أعداء اليهود.
لا أحد يتحدث عن تلك المناهج والكتب التي ينهل منها الصهاينة، ولا يجري التركيز إلا على المسلمين. وفي هولندا خاض شابان تجربة جميلة، حيث أوقفوا أناسا في الشوارع وقرأوا عليهم نصوصا تدعوا للعنف والقتل والممارسات الغريبة ضد المرأة، وقالوا لهم إنها من القرآن، قبل أن يفاجئوهم بأنها من الكتاب المقدس؛ بخاصة “العهد القديم”.
الخلاصة أننا إزاء كيان عنصري يجمّل نفسه بالدعاية، ويحرص على ممارساته ليس رأفة بالفلسطينيين، وإنما خشية من كلفتها، ومع ذلك تأتي النتيجة المرعبة من الممارسات التي تتواصل دون أن تلفت أنظار العالم، طبعا لأن هذه الدولة هي الأكثر دلالا في الكون. أما المصيبة الأكبر، فتتمثل في إصرار قيادة السلطة على مواجهة هذا كله بالاستجداء واستمرار التفاوض، بدل الرد عليه بما تعارفت عليه الشعوب الحرة، ممثلا في خيار المقاومة.
الدستور