الاعتداء على الأطباء والممرضين والمعلمين تخلف أخلاقي
20-06-2008 03:00 AM
ليس هناك في العالم أمة تحترم نفسها إلا واحترمت نخبتها من الذين يقدمون العلمّ و الخدمة العامة و العمل المتعلق بحياة الناس وشؤونهم مباشرة ، ويحملون على عاتقهم حمل هموم المواطن دون النظر الى مزيد من المكتسبات .
وإن كان عامل النظافة هو أجمل رجل في الشارع ، فإن الطبيب والممرض والمدّرس هما أصدق الناس الغرباء عن العائلة حين يُخرّجون الأهل ويختلون بالمريض مسعفين أو معالجين ، لتبقى الأرواح معلقة بإرادة خالقها ، قد تبرأ له أو يمهلها الى أجلها ، أو يشطح الأب في دنياه تاركا أبنه بين يدي المعلم ليوصله الى مراتب العلم .في حادثة جرت في أحد المستشفيات الحكومية وصل الى قسم الطوارىء مواطن كان يلتهم الطعام في مأدبة لأحد الاعراس ، حيث ابتلع لسان الذبيحة ، وكان مقتله فيما أكله ، حيث لم يسعف الوقت الأطباء وطاقم التمريض في القسم لإنقاذه فمات مختنقا رحمه الله ، الطريف في الأمر ، إن احد الأطباء الجدد في المستشفى كان صديق لي ليخبرني فيما بعد إن رئيس القسم أخبره بأن لا يفصح عن هويته كطبيب ، تفاديا لئلا يقتله ذوو المتوفى عندما يعلموا ، وهذا ما حصل بالفعل ،.. وفيما مضى من ذكريات مؤلمة ، كنت احتضن ابن لأختي توفاه الله طفلا ، في قسم العناية الحثيثة ، عندما أدخل شاب على عجل الى سرير في القسم ، جيء به من إحدى محافظات الجنوب ، ولم تفلح مناشدات الممرضة المسؤولة ورئيس القسم ، في ثني المرافقين الكثر للخروج وانتظار ما سيحدث ، ليتكالب الجميع فوق المريض والممرضة تصرخ عليهم بأعلى صوتها كي يبتعدوا ويفسحوا لها لتكمل مهمتها ، وما هي إلا دقائق حتى فارق الحياة قبل ان تتدخل الشرطة العسكرية لإخراجهم .
هل سأبقى حكواتي .. لأسرد لكم حكايات مؤلمة عن تخلف ثقافة المستشفيات والزيارات والاسعاف في بلدنا ، والتي تجر نتيجتها الى اعتداء المواطن الجاهل على طبيب محترم أو ممرض نشيط ، والمشكلة ان الطبيب لم يقدم دعوة لهؤلاء لزيارته في قسم الطوارىء بل هم جاءوه يتراكضون ، يتصايحون ، يتوسلون ، لاسعاف مريضهم ، الذي لم يجد واحدا منهم يعرف كيف يخيط جرحا ، او يقدم اسعافات أولية لمريضهم .
في حادثة ترتبط أيضا بذكرى مؤلمة ، كنت عند عزيز توفاه الله في أحد المستشفيات العسكرية ، لنتفاجأ بدخول مجموعة من الجنود لفض اشتباك جرى بين أفراد عائلة واحدة ، كانوا يزورون إحدى نساءهم المريضات ، وفوق سريرها ، وقع الشيطان وثيقة إعلان الحرب على القيم والاحترام والكرامة الإنسانية ، حيث سالت دماء الرجال وتعالت صرخات النساء ، وحطمت أسرة وطاولات القسم ، نتيجة عنجهية وغباء وتخلف مجموعة من الأشناب ، التقوا عند مريضة كانت أحوج ما تكون للدعاء ورفع المعنوية وليس الترويع وارتفاع ضغط الدم والانتكاسة المرضية .
هذا غيض من فيض ، مما يجري في مستشفياتنا بأيدينا ، فلا احترام لأنفسنا ، ولا حفظ كرامة للآخرين ، ولا تقدير للطبيب والممرض الذي قد يقدم خدمة تمريضية يأنف عن تقديمها الابن لأبيه ، والبنت لأمها .
لقد ازدادت حالات الاعتداء على هؤلاء دون أدنى سبب يستدعي ذلك ، وحتى إن حدث أي خطأ أو تقصير ، فهناك مرجعيات تحاسب ذلك الطبيب أو الممرض ، ولا يـُبرر أي فعل كهذا بالحالة النفسية ، أو ثورة الغضب عند المرافق .. ومطلوب من الحكومة التي تفرض هيبتها على المساكين والأبرياء وكبار الفقراء ، أن تستصدر قانون غير المعمول به يقطع يد أي فكرة تحاول ان تجعل من بعض المرعوبين والجهلة وشاذي الأفكار والمستذئبين أبطالا يسردون قصة اعتداءهم على طبيب أو معلم أو ممرض بدافع التفاخر في مضافة العائلة واستعراض فحولة عضلاتهم التي لم تسعفها عقولهم بأي فكرة لاستخدامها فيما يرضي الله وخلقه .
لقد أضحكني وأنا لم أعد أعرف سوى الغضب من إسقاطات الواقع ، أضحكني الصديق العزيز والفنان المبدع عماد حجاج في رسم كاريكاتوري أبدع في وصف هذه الظاهرة كعادته في ترجمة البكاء ضحكا ، حين ظهر الطبيب وهو يطلب من ابو محجوب وشلة المرافقين لمريض عجوز أن يتناولوا مهدئات قبل ان يخبرهم بوضع الختيار الحرج وذلك بناء على تعليمات سلامة الاطباء الجديدة .
وعليه فإننا نرجو من أخوتنا المواطنين ونذكر أنفسنا بأن المستشفيات إنشأت لخدمة الناس كافة ، وليس للطبيب سوى جهده المبارك فيما يجتهد ، ومصيبة الموت هي ابتلاء من الله للناس ، وكل لبنة وضعت من أجل الخدمة العامة هي قدس مقدس ، وكل إنسان يقف ليقدم الخدمة هو لا شك إنسان مليء بمعاني الإنسانية والانتماء ، وحرّي بنا أن نقبل أيديهم بدل الدعاء عليها بالكسر ، أو كسرها بأيدينا .
وهنا لن أبرّئ بعض المواقف التي تجري في بعض المستشفيات من إهمال أو تلكؤ أو تقصير يبدر من قلة نادرة من القائمين على أقسام الأضعاف .. ولكن هذا لا يعطينا المبرر أن نحاكم المهنة بجملتها ونحاكم الكل بالضرب والاعتداء والشتم ، فذلك انحطاط أخلاقي واعتذر بشدة لاستخدام هذا اللفظ ، ولكن أحيانا تضطر لاستخدامه ليرتقي الى وصف بعض الجهلة والمارقين فليس البشر كالبقر ، وليس الحوار كالخوار .
Royal430@hotmail.com