كتب الاستاذ عبد الرحمن الراشد في صحيفة الشرق الاوسط امس مقالا حمل عنوان "كذبة تحرك الشارع"، وتضمنت روحا ساخرة من ردة الفعل الشعبية الاردنية على ما قيل انها تصريحات لمستشار المرشح الجمهوري جون ماكين التي اعتبر فيها الاردن هو دولة الفلسطينيين، والحقيقة ان مقال الراشد يحمل عدة قضايا بعضها مقبول والاخر يحتاج الى تفسير.
فالراشد يثبت ان هذه التصريحات غير صحيحة، وهذا امر سليم، لأنه نقل عن مستشار ماكين أنه لم يكن له اي محاضرة، ولم يتحدث حول هذه القضية، وان ما قيل هو تلفيق قام به موقع الكتروني صهيوني، اي ان الامر كان اختلاقا واكذوبة اعلامية استفزت الشارع الاردني، وربما هذا يدعونا الى امتلاك منهجية للتأكد وعدم الانجرار الى كل ما يشاع ويقال، وهذا الامر ليس مقتصرا على الشارع الاردني فحتى بعض وسائل الاعلام الخارجية تعاملت بجدية مع هذه التصريحات حتى ان صحيفة السفير اللبنانية سألت الملك عن هذا الموضوع في مقابلة نشرت قبل ايام.
اما الامر الثاني الذي لم يتحدث به الاستاذ الراشد ان رد فعل الشارع الاردني ليس امرا سلبيا بل يعبر عن غيرة وحس وطني ورفض للافكار التي تخدم المشروع الصهيوني، او التي تستهدف الهوية الوطنية السياسية للاردن، وهي غيرة وردة فعل تسجل للاردنيين، قد يكون مناسبا وضروريا التأكد من صدور التصريحات لكن تدافع القوى السياسية والاعلام للرد على هذه التصريحات ليس امرا سلبيا بل حالة سياسية متقدمة تعبر عن توافق بل اجماع من كل الاردنيين مع دولتهم على رفض لهذا الفكر التوسعي العدواني.
اما الامر الثالث فهو ان ردة الفعل الاردنية ليست فقط على ما قيل انها تصريحات لمستشار ماكين بل لأن هذا الفكر والحديث عن الوطن البديل ليس امرا جديدا بل تبنته قوى صهيونية واميركية، وكان منهم شارون وقوى يمينية متطرفة، اي ان ردة الفعل تراكمية، واذا كانت تصريحات مستشار المرشح الجمهوري اكذوبة وافتراء من موقع الكتروني صهيوني فإن تاريخ هذا الطرح السياسي طويل وحقيقي.
واذا خرجنا من هذا السياق فإن الرد الحقيقي على فكرة الوطن البديل او حتى الخيار الاردني تكون بفعل حقيقي يقوم باتجاهات اهمها الحفاظ على الهوية السياسية والوطنية للدولة الاردنية ومنع اي مسار يوفر تنفيذا للرؤية الصهيونية، اي الحفاظ على هوية كل فلسطيني خارج ارضه بحيث يكون حقه السياسي والوطني من الحقوق الفلسطينية المغتصبة، فكل وجود لأي فلسطيني خارج ارضه وجود مؤقت مهما طال لأن حقه يجب ان يعود اليه، ودولته يجب ان تقوم على حساب الاحتلال الصهيوني.
ورفض الوطن البديل يقتضي من الاردنيين والفلسطينيين اجماعا على ان حقنا جميعا ليس لدى بعضنا بعضا بل لدى المحتل، وان السعي يجب ان يكون لاستعادة هذا الحق، فما دامت المطالبة بالحق الفلسطيني قائمة فهذا يزعج ويؤلم المحتل، اما اذا تحولت بوصلة اي منا فإن المستفيد هو العدو.
والرد على فكرة الوطن البديل تستدعي دعما جادا لاقامة دولة فلسطينية فهذا ما ينقض فكر التهجير والخيار الاردني، لأن تحقيق فكرة الاردن هو الاردن وفلسطين هي فلسطين لا يتم الا عبر اقامة الدولة الفلسطينية والسعي الكامل والدائم لها والحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية وعدم الانشغال بأي مسارات او مكاسب وهمية او معارك لا تخدم الا المحتل.
رغم وجود من يتبنى هذه الطروحات الصهيونية الا ان الاردن لا يخاف على نفسه فالحكاية موجودة منذ عقود، والاردن دولة مستقرة، والاشقاء على ارض فلسطين يمارسون صمودا وتمسكا بأرضهم وهويتهم.
تصريحات مستشار ماكين اكذوبة لكن جذور المضمون حقيقة وفكرة يتبناها صهاينة، وإن كان صمودنا جميعا وقوة واستقرار الاردن سدا حقيقيا لمواجهتها.
sameeh.almaitah@alghad.jo
الغد