كيف نحتفل باليوم العالمي للّغة العربيّة!
د. صلاح جرّار
25-12-2015 02:33 AM
ما زلنا نعيش أصداء الاحتفالات باليوم العالمي للّغة العربيّة الذي صادف يوم الثامن عشر من شهر كانون الأوّل الحالي، فعقدت الندوات وأقيمت المحاضرات والأمسيات الشعرية والأحاديث والمقابلات الإذاعية والتلفزيونية ونشرت المقالات الصحفية وصدرت نداءات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاحترام هذه اللغة والوقوف إجلالاً وتقديراً لها. وما هي إلاّ بضعة أيّام وتخفت تلك الأصوات والنداءات، ويتحلّل الناس من الوقار اللغوي الذي أضفاه ذلك اليوم على بعض قطاعات المثقفين والمتعلّمين، وكأنّ ما قبل هذا اليوم وما بعده مباحٌ فيه ارتكاب الأخطاء اللغوية والتمتّع باستخدام العاميّات حتّى في أكثر المواقف جلالاً ووقاراً، وكذلك استخدام اللغات والمفردات والمصطلحات الأجنبية في تضاعيف أحاديثنا اليوميّة.
إنّ الاحتفال باليوم العالمي للّغة العربيّة يجب أن يكون فرصة لرصد إنجازات العام الماضي في مجال برامج خدمة اللّغة العربيّة ورعايتها وتيسير سبل تعلّمها وتعليمها ونشرها. كما ينبغي أن يكون هذا اليوم مناسبة لوضع خطط وبرامج جديدة على المستوى المحلّي والإقليمي والعربيّ والدولي لخدمة اللّغة العربيّة وتوظيفها في مختلف مجالات الحياة بما فيها المجالات العلميّة والصناعية.إنّ الحديث عن اللّغة العربيّة وأهميتها وخصائصها التي تتفرّد بها بين اللّغات العالمية هي موضوعات قد أشبعت بحثاً، غير أنّ اللّغة العربيّة تتعرض اليوم لمخاطر وتحدّيات كثيرة ومتسارعة لا تخفى على ذي نظر، ولذا فإنني أقترح أن يصبح اليوم العالمي للّغة العربيّة في كلّ عام فرصة لفحص هذه التحديات ومراجعة مواطن الضعف التي يتسرب الخلل منها إلى اللّغة ووضع الخطط والإجراءات الوقائية والتنفيذية التي تحول دون تفاقم هذه الأخطار ودون انتشار الظواهر السلبية في المجال اللغوي.
إنّ اليوم العالمي للّغة العربيّة ليس عيداً من أعياد العرب يقيمون فيه الاحتفالات، بل هو يوم يجب أن يضاعف فيه العمل من أجل اللّغة، ويتجدّد فيه النشاط، وتُصان فيه اللّغة وتُحَصَّن ضدّ الأخطار التي تهدّدها. وما لم نسمع أو نقرأ أو نشاهد مشروعاً جديداً كبيراً تنهض به الأمّة العربيّة جمعاء في مجال خدمة العربيّة سنويّاً في مثل هذا اليوم، فإننا نكون قد أضعنا وقتنا هباءً، واتخذنا من لغتنا مطيّةً جديدة لإلهاء الناس.
إنّ مشروع المعجم التاريخي للّغة العربيّة، ومشروع الذخيرة اللغوية العربيّة، ومشروع قانون عربي موحّد لحماية اللّغة العربيّة، ومشروع توحيد مجامع اللّغة العربيّة، ومشروع موسوعة عربيّة شاملة، و مشروع فهرس شامل للمخطوطات العربيّة، وغير ذلك من المشاريع جديرة بأنّ يكون إطلاق كلّ واحد منها أو إنجازه تتويجاً للاحتفالات باليوم العالمي للّغة العربيّة كلّ عام، وبذلك يصبح لهذا اليوم معنى ونكهة وجدوى.
salahjarrar@hotmail.com
عن الرأي