حقيقة نرفضها، ووهم نتوق اليه ..
د. باسمة السمعان
22-12-2015 12:46 PM
احيانا نتوق الى اوهام تعطينا احساساً بالفرح ونراها أعمق من حقيقة قاسية جافة لا تمس أرواحنا بشيء.
شاركنا معا باضاءة شجرة الميلاد في احدى الامسيات واستمتعنا بترانيم الميلاد التي قدمتها فرق موسيقية متنوعة، غربية وشرقية، اسلامية ومسيحية وابتهجت قلوبنا، وطربت بهذه الاجواء ارواحنا.
ومع الابتسامات التي علت وجوه الكبار والصغار، على حد سواء، بدون استثناء، عشنا اللحظة، حتى جاء صوت ساخر يصيح "وهل هذه اجواء نقارنها بتلك في دول الغرب ؟ لو كان بيدي، وددت ان احتفل بالميلاد هناك ، ولكن هيهات، ليس في اليد حيلة"!
كلماته ايقظت بركانا كنت اعتقده أخمد منذ زمن، وانفتح كل باب مغلق في داخلي كنت قد ختمته بالشمع الاحمر فتضخمت المسألة في مخيلتي فبحثت في داخلي من جديد عن خيوط تأكيد وجودي على أرضي وفي وطني.
حينها رمقته بنظرة ، وانا احتضن في داخلي وهم عشناه وكبر معنا، فتجولت خلال لحظات بساحات نفسي القديمة، وانا اتأرجح بين الخيال والحقيقة فلبسني اليأس، عندها عقدت العزم وقررت ان اقف جهرا، عند سر هذه القضية العجيبة ، فغصت في اعماق الارض وانتزعت جذوري لأتأكد انها موجودة أم تاهت في متاهات مظلمة بين عميان، عندها طرحت عليه السؤال، كان كالصاعقة:
قلت: كم عمري؟
باستغراب وقف ساكنا في مكانه، عيونه بالحقيقة كانت تبحث عن جواب يجاملني به!
كررت سؤالي، كم عمري؟
أجاب بلباقة: العمر لا يمت للحقيقة بشيء.
قلت : أسالني انت !!
فقال: كم عمرك ؟
أجبت : عمري 2015 سنة وقريبا 2016 سنة ، وحتى اتغلب على دهشة ارتسمت على محياه، استدركت، نعم، هذا عمري، سنين وجودي على هذه المعمورة.
لا اظن ان الفكرة وصلت، فاسترسلت : هذا عمر حضوري وجذوري التي نبتت وانجبت اجيالا من هنا، وحيث نقف انا وانت على هذه الارض، ارض الرسالات السماوية حيث اعلنت ولادة الكلمة.
فمن جانب هذا النهر، الذي يحمل اسم وطني، كانت انطلاقة البشارة ، يوم تعانقت السماء مع الارض في مصالحة عادلة، غسلت بماء النهر المقدس، نهر الأردن، ما سبقها .
لماذ يبدو لك الميلاد يا شريكي في الارض بدول الغرب "اصدق، او أجمل؟
اتعلم ، كم يرغب "اهل الغرب" ان يحتفلوا بالميلاد هنا،على اعتاب المغارة الوضيعة، هم بالحقيقة يجسدون حياتنا واصالتنا على مسارحهم عشية احتفالهم بالميلاد.
ايا صديقي ، نحن هنا وهذا عيدنا ، لن نتنازل عنه بعد الان ، من هنا ولدت الكلمة وهنا تم الخلاص من هنا كان يعلم الناس ويصنع الاعاجيب ويقيم الموتى ويشفي الجرحى ويعزي المتألمين ، هنا من سماءنا علت اصوات الملائكة" المجد لله في العلى وعلى الآرض السلام وفي الناس المسرة".
اعذرني، لن اسمع حديثك أكثر ، العيد ليس زينة بل رحمة، ليس اضواء بل شفقة، هو ان نفتح النوافذ المغلقة، هو حقيقة نعيشها ونطبقها على أرض الواقع ،كما أراد صاحب العيد.