ظلت الغلبة للكذب «المدهّن» على حساب «الصدق»الناشف لفترة طويلة من الزمن ، فالمثل الشعبي الذي يقول: «كذب مدهّن..أحسن من صدق ناشف»..كان خير من يسوّق للكلام المعسول على حساب الصراحة المطلقة..لكن يبدو انه حتى «الكذب المدهّن» لم يعد مجدياً في كثير من الحالات...
السيدة ماك كيمي.. والدة احد الجنود الذي شاركوا في احتلال العراق- أصيب ابنها أثناء محاولته إنقاذ زميليه وإخراجهما من سيارتهما المحترقة- ظل يعاني لوقت طويل من حروق في الوجه والجسم وساقه مهددة بالبتر إن لم يتلق العلاج الملائم...السيدة ماك بعثت برسالة قبل ست سنوات إلى الرئيس اوباما تشرح فيها حالة ولدها المصاب وتذكّره انه أحد جنود الولايات المتّحدة ويجب على حكومة اوباما أن تتكفل بعلاجه،فتلقّت ردّاً فوريا من الرئيس من خلال رسالة كتبها بخط يده واعداً إياها أن يفعل ما بوسعه هو وميشيل لدعم عائلة ابنها..لكن الحبر المخطوط على الورق لم يمش على ارض الواقع كما يحدث في كثير من الأحيان..فاضطرت ام الجندي لعرض رسالة الرئيس اوباما المخطوطة بيده في المزاد العلني المخصص للوثائق والتحف التاريخية حيث قدرت إدارة المزاد سعرها بين 3 الآف إلى 4 الاف دولار...وهو الوزن المادي للوعد غير المنفّذ لرئيس الدولة...
أنا أعتقد ان هذه السيدة محظوظة للغاية لأن كلام الرئيس استطاع ان يباع بثلاثة الاف دولار ، هناك بعض الوعود لمسؤولين عرب لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، ولو وضعت في مزاد علني لدفّعوك غرامة لإضاعة وقت المزايدين على كلام فارغ لا يسمن ولا يغني من جوع...قبل سبعين عاماً وعدوا شعوبهم بإعادة فلسطين المغتصبة في ال48 فضاعت الضفة الغربية في الــ67 ،وعدوا السمك بوجبات دسمة من الجنود الصهاينة فمات السمك جوعاً ، وعدوهم بالتنمية فتخلّفوا ، بالتقدم فتراجعوا ، بالديمقراطية فانسجنوا وشردوا وأبيدوا، وعدوهم بحرية التعبير فانخرسوا، بالرخاء فأقتروا، بالطفرة الاقتصادية ، فافتقروا...هناك اكثر من 350 مليون عربي تلقّوا وعوداً ما لم يتلقاه وجه معارض من صفعات تحت التحقيق!!...
ترى كم يساوي الوزن المادي للوعود غير المنفذة للمسؤولين العرب؟...
للأسف لا يوجد لكلامهم أي وحدة قياس يقاس فيه ..سوى وحدة الدم!..
الرأي