ما المطلوب لبراءة السعودية
فايز الفايز
20-12-2015 05:02 PM
في النصف الثاني من ثمانينات القرن الفائت بعثت « المرأة الحديدية» مارغريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة رسالة الى الرئيس، الراحل أيضا رونالد ريغان تحضه فيها على العمل سويا لوضع استراتيجية لتغيير هيكلية النظام الحاكم في المملكة العربية السعودية بعد مؤتمر جنيف الذي أغلق ملف الغزو السوفييتي لإفغانستان، وقالت تاتشر ما معناه: كيف لدولتين مثلنا نمثل الحضارة الليبرالية التقدمية نصمت ونتحالف مع دولة تعتبر هي القائدة للعالم الإسلامي، ولا يسمح للنساء فيها بقيادة السيارات أو الخروج سافرات، الرسالة «النسائية» بالطبع لم يبن عليها عمليا، لأن ريغان تقاعد وجاء نائبه جورج بوش رئيسا، ولسوء حظ الأيديولوجية الليبرالية الغربية قام الرئيس العراقي الراحل أيضا صدام حسين باحتلال الكويت عام 1990 ونشبت حرب الخليج الأولى، وتأجلت كل مشاريع التغيير لتبدأ حرب التغييرات والإطاحات للزعامات.
فصدام حسين قلب كل طاولات اللعب السياسي في الشرق والغرب رأسا على عقب، وتم تجميد أي تحرك للتغيير تجنبا للاصطدام مع الدول العربية الحليفة، وبدأ مشروع إخضاع الشرق الأوسط العربي لنهج أمريكي جديد، بعد تآكل الاتحاد السوفييتي ثم تفككه، ولكن الأفكار القديمة لم تمت، فقد تم الاحتفاظ بأوراق الخطط من الخزانة القديمة لقراءتها بلغة جديدة، لعل أكثرها تعقيدا هو تنظيم داعش الإرهابي.
اليوم باتت السعودية هدفا سهلاَ للتحريض من قبل جهات كثيرة، ليس داخليا وهذا ليس شأننا، ولكن من الغرب حيث الأصدقاء التاريخيين ومن إيران المنافس لتزعم السيطرة في الشرق العربي، ومن المعروف أن الساسة والمسؤولين الغربيين عموما ومنهم الأمريكان ينتقون كلماتهم جيدا إذا كان الحديث عن الأصدقاء والحلفاء العرب، ولكن لديهم قنوات غير رسمية يمررون ضرباتهم تحت الحزام بأفواه سياسيين غير رسميين وقادة رأي عام ومنظمات حقوقية والأهم كتاب أعمدة مرموقين ليس أسوأهم «توماس فريدمان» الكاتب الأمريكي اليهودي الشهير، و ملخص ما يريدون قولة جملة واحدة هي إتهام السعودية كنظام لا كمجتمع مسلم فحسب بأنها هي المسؤولة عن كل الإرهاب في المنطقة. نقطة وليعد الجميع الى عهد تاتشر.
السعودية ككيان سياسي تمثل اللون العام لجميع البلدان العربية ودول العالم الثالث أيضا، دون الخوض في تفاصيل معروفة، ولكنها اجتماعيا تمثل أكبر الدول العربية التي تضم مجتمعا محافظا من القبائل البدوية والحواضر المهاجرة من بلاد إسلامية، ولهذا أقام الملك الراحل عبدالعزيز بن سعود الدولة السعودية الثالثة على أسس إسلامية بحتة بعد سقوط الخلافة العثمانية التي كانت تمثل دولة الإسلام السني، ولأن المجتمع عروبي وإسلامي أصلاً ومحافظ، فقد كان دستورها الشريعة الإسلامية على قانون القرآن والسنة النبوية الحنيفة، ولا ضير في أن تلتقي السياسة مع الدين، لتأسيس طريق ثالث»دولة دينية سياسية اجتماعية» معاً، وهذا ما كان يزعج العالم الغربي الذي خرج من جحيم الحرب العالمية الثانية بدول عَلمانية ليبرالية رأسمالية لا تريد للدين أن يقوم كحكم في العالم العربي.
فالولايات المتحدة الأمريكية التي حددت عدوها الافتراضي الجديد آنذاك، بأنه « الشيوعية» التي يمثلها الإتحاد السوفييتي القطب العالمي الثاني، انشغلت في مواجهة المد الشيوعي في العالم من آسيا وحتى أمريكا الجنوبية، وعندما غزا الاتحاد السوفييتي إفغانستان، لم تتورع قياداتها بدعم « المجاهدين الإسلاميين السنّة» لقتال الدببة الروس تحت غطاء «عملية سايكلون» السريّة التي بدأها الرئيس جيمي كارتر ثم رونالد ريغن، وحضت دول عربية وإسلامية أيضا على دعمهم ، حتى أقنع السيناتور تشارلي ويلسون الكونغرس تسليح المجاهدين الأفغان بصواريخ ستينغر التي حسمت المعركة ضد الجيش الأحمر ، ومع هذا لا يزال الدولار الأمريكي يحتفظ بآيته الدينية المكتوبة « ثقتنا بالله».
السعودية الآن هي عمود الدول العربية الرئيس، ومن الخطر التفكير باستهدافها سياسيا أو تآمريا، فهناك الكثير من الأنظمة العربية ستتساقط وتعم الفوضى من جديد، علينا أن نتذكر العراق وسوريا ومثلها ليبيا، التي هُدمت على رؤوس أهلها بدعوى الديمقراطية فيما النيران لا تزال تشتعل في شعوبها.
على أحد في السعودية أن يتحدث بصراحة عما يجري وكيف أنها بصمت تتعرض لتشويه يطعن في النهج الإسلامي أصلا، ومحاولتها البقاء كدولة وادعة، لم يمكنها من اجتثاث الفكر المتطرف في يوم وليلة، وحتى مع خوضها حربا ضد الإرهاب على جبهات عدة، فإن دولاً ما لا تريد لها البراءة حتى لو سمحت للنساء بالخروج عاريات.
الراي