الشيطان كبيرٌ والتفاصيل شائكة
ايمن الصفدي
20-12-2015 02:18 AM
في الشّكل، شهد الأسبوع الماضي ثلاثة اختراقاتٍ سياسيةٍ في أزماتٍ رئيسةٍ: أقرّ مجلس الأمن قراراً يرسم خريطة طريقٍ لوقف الحرب في سورية وعليها؛ وقّعت بعض أطراف الصراع في ليبيا اتفاقيّة تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيّة؛ والتأمت في سويسرا محادثاتٌ بين الحكومة والمتمرّدين في اليمن.
وفي الشّكل أيضا، تُمثّل الإطارات العامة لهذه الاختراقات أرضيّاتٍ واقعيّةً للتقدّم نحو حلول، وثمّة ما يقترب من إجماعٍ دوليٍّ عليها.
لكنّ الشيطان في التفاصيل. وفي الملفّات الثلاثة، الشيطان كبيرٌ والتفاصيل شائكةٌ.
في المعضلة السوريّة، تفادى "الإجماع الدوليّ" مصير الأسد. وهنا مكمن مشكلةٍ في ضوء موقف المعارضة المصرّ على رحيله لحظة التوافق على آليّات المرحلة الانتقاليّة والموقف المضاد، الذي يحظى بتقبلٍ أميركي، بعدم البتّ في ذلك الآن وتركه إلى ما بعد استكمال المرحلة الانتقاليّة.
أضف إلى ذلك الخلاف حول الفصائل المقاتلة التي ستُسمّى إرهابية، وبالتالي ستُمنع من المشاركة في المفاوضات بين المعارضة والنظام التي قرّرها مجلس الأمن. العقبات أمام تجاوز هذا الانقسام أصعب من أن تُسوّى في أيّ وقتٍ قريب. القائمة التي نسّقها الأردن جاءت حصيلة مقترحات دول المجموعة الدوليّة لدعم سورية وليس تصنيفاً أردنيّاً يحظى بموافقة جميع أطرافها. كثيرٌ من هذه الدول تنطلق في مواقفها من حسابات الولاء والمصالح والنفوذ. وهذا يعني أنّ التوافق على قائمةٍ موحّدةٍ مستحيل.
لكن حتّى ولو توافقت الدول المتعاملة مع الأزمة السوريّة على تعريفٍ موحدٍ للمنظّمات الإرهابيّة، ليس هناك ما يشي أنها ستكون قادرةً على فرض وقف إطلاق النار. وبمعزلٍ عن "النصرة" و"داعش" اللذيْن سيستمران في القتال، ليس هناك ما يضمن أنّ "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" وفصائل أخرى أصغر ستلتزم قرارات المجموعة الدوليّة. وثمّة تساؤلاتٌ أيضاً حول رغبة دولٍ إقليميّة، مثل تركيا وقطر، في أن تغامر في خسارة ولاء هذه المجموعات بممارسة ضغوطٍ عليها أو في معاداتها إن رفضت التزام مقرّرات العمليّة السياسيّة.
فوق ذلك ثمّة خلافٌ في المواقف بين أميركا ودولٍ إقليميةٍ مناهضةٍ للأسد حول الأولويّات في سورية. ذاك يعني أنّ التقدّم نحو الحلّ وفق التوافق الأميركي الروسي الذي تُرجم في قرار مجلس الأمن الأخير سيتطلّب رغبة وقدرة أميركية وروسية على إلزام الحلفاء في المعسكرين موقفهما. وهذا شرط ليس ما يضمن أنّ البلديْن، وخصوصاً أميركا، سيلبّيانه.
الوضع شبيهٌ في ليبيا. وُقّع "اتفاق الصخيرات" تحت ضغطٍ أوروبي تبلور بعد أن بدأت أوروبا تكتوي بنار الأزمة. لكنّ الأطراف الموقّعة لا تمثّل كلّ القوى الليبيّة. والمجموعات المتقاتلة بنت "كانتونات" سلطةٍ ولا تأتمر جميعها من برلمان طبرق ومؤتمر الوفاق الوطني اللذيْن كانا الطرفيْن الرئيسيْن للاتفاق. وجود "داعش" وغيره من المجموعات الإرهابيّة يزيد المشهد تعقيداً.
التوصل إلى الاتفاق كان صعباً. لكنّ الأصعب، وربّما المستحيل، سيكون تنفيذه من غير قوةٍ مسلحةٍ تمتلك إمكانيّة خوض حربٍ ضدّ هذه التنظيمات والانتصار فيها. أين هذه القوّة، ومن سيدعمها وسيسلّحها؟
أما اليمن فالسؤال الكبير هو حول جديّة الحوثيّين في البحث عن حلّ. كلّ المؤشّرات أنّهم دخلوا المحادثات للمماطلة وكسب الوقت. ليس هناك ما ينبئ أنّهم مستعدّون للانسحاب من المناطق التي احتلوها أو تسليم السلاح والإقرار بشرعية الحكومة. وبالطبع هناك إيران التي لا يبدو أنّ الحوثيّين سيجنحون للسلم من دون ضوءٍ أخضر منها. الظاهر أنّ الضوء القادم من إيران ما يزال أحمرَ.
اختراقات الأسبوع الماضي شكّلت خروجاً من الجمود السياسي. لكنّ ترجمتها على الأرض تتطلّب شروطاً لم تنضج بعد. ومثلما يُمكن النظر إليها بارقة أملٍ في عتمة الراهن العربي، يُمكن أيضاً الخوف منها قاتلةً له إن لم تنجح. فإذذاك ستزداد الحروب اشتعالاً، بحيث لا يأتي الانفراج إلا بعد أن تكون الصراعات قد استنفدت كلّ وقودها.
عن الغد