عن «الهرولة» التركية تجاه .. إسرائيل!
محمد خروب
20-12-2015 02:09 AM
صَمَتَ «المُطَبِلون» العرب وخصوصاً المتأسلمين منهم، لرجب طيب اردوغان والمُعجَبون بتجربته التي لم تنته بعد، ولا يبدو انها ستحقق جزءاً من الاوهام التي علّقها هؤلاء على زعيم العثمانيين الجدد، الذي ظن ان صفقته مع ادارة اوباما والرامية الى فرض نموذجه الاسلاموي على المنطقة العربية، ستؤهله للعب دور هو غير قادر على تحقيقه او الاستمرار حتى النهاية في الدفاع عنه، خصوصاً انه استند الى «ايديولوجية» غامضة وخبيثة، تَغْرِف من إرث اجداده السلاجقة وسجّل آل عثمان، دون أي اكتراث او اعتذار عمّا ألحقه العثمانيون طوال اربعة قرون بالأمة العربية وما تركوها عليه من بؤس وفاقة وتمزق، بعد انهيار الامبراطورية، التي اوصلت العرب الى «أعلى» درجات الانحطاط، والتخلّف مع كل ما صاحبها من عَسْفٍ وعنصرية ودموية وظلم واستعباد، الى ان انتهت بمحاولة لم يكتب لها النجاح لـِ(تتريك) الأمة العربية والحاقها بامبراطورية زائلة، قامت في الأساس على السيف والاستعمار والدموية والاستعلاء القومي.
نقول: صَمَتَ هؤلاء صمْت الحملان، بعد ان كشفت تل ابيب بوسائل اعلامها وتسريبات حكومتها، عن اتفاق ناجز، لا ينقصه سوى الإشهار والتوقيع عليه، بين حكومة اردوغان – اوغلو وحكومة نتنياهو، يقوم على تطبيع العلاقات والارتقاء بها الى مستويات وارقام معروفة ومُعْلَنة مقابل ان تدفع اسرائيل تعويضات للمواطنين الأتراك (انتبهوا للأتراك وحدهم) مِمَن قُتِلوا او أُصِيبوا او تَضرّروا من هجوم جيش الاحتلال على سفينة مافي مرمرة في شهر ايار من العام 2010، لتقوم أنقرة باسقاط الدعاوى التي رفعتها ضد ضباط اسرائيليين اسهموا في حدوث المجزرة والاعتداء على اسطول الحرية، ما يُفسر، ضمن امور اخرى، التصريح المفاجئ الذي ادلى به اردوغان اثناء زيارته تركمنستان قبل ايام من الكشف الاسرائيلي عن الاتفاق الوشيك عندما قال: انه لا يَستَبعِد استئناف العلاقات مع تل ابيب معتبراً ان المنطقة «كلها» ستستفيد من تطبيع العلاقات.
ليس ثمة فصول سرّية لاتفاق التطبيع هذا، وليس هناك ما يمكن ان يبرر مثل هذه الهرولة التركية، بعد ان أشْبَعَنا اردوغان ببطولاته واشتراطاته «المبدئية» التي لن يحيد عنها، وبخاصة في شأن رفع الحصار عن قطاع غزة وهو الشرط الذي اتكأ اليه انصار اردوغان ومريدوه، كي يواصلوا مديحه وتملّقه واضفاء هالات مُصْطَنعة على ريادته واسلامويته، ودفاعه عن حقوق الشعوب المُضْطَهَدة وغيرها من العناوين والشعارات البرّاقة فارغة المضمون، والتي ابتلعها اتباع الاسلام السياسي ورهط من الذين صدّقوا أحبولة «المعّجزة» الاقتصادية التي حققها اردوغان، وغيرها من «النجاحات» التي اكتشف المخدوعون بها، انها لم تكن سوى مجرد فقاعة تم تضخيمها عن قصد، او في تعبير آخر، أقنِعة ارتداها قادة حزب العدالة والتنمية للتسويق الاعلامي ونيل المزيد من أصوات البسطاء في الريف التركي، فيما يواصل اردوغان الامساك بخيوط الحكم والتنكيل بمعارِضِيه ومطاردة الاعلاميين والقنوات الفضائية والتضييق على القضاء وفرض انصاره في اجهزة الأمن والإدعاء العام، حتى احتلت تركيا بـ»امتياز» مرتبة متأخرة على سلّم الدول في حرية التعبير والمحاكمة العادلة، فضلاً عن إتِجار حكومة اردوغان اوغلو باللاجئين السوريين واستغلالهم للمقايضة السياسية والمالية كي تُغلِق حدودها أمامهم وتحول دون عبورهم الى اوروبا، مقابل حفنة من «اليورهات» وفتح فصول جديدة تمهيداً لـِ»إدخالها» في عضوية الاتحاد الاوروبي، وهي بطاقة لن تحصل عليها في المديين القريب والمتوسط، رغم كل الوعود الاوروبية الكاذبة والمُنافِقة، ورغم الانبطاح وعقلية التاجر التي تنظم سلوك حكام انقرة.
يكاد المُعجبون والمُروِجون لتجربة اردوغان، أن يُنْكِروا التنسيق والتعاون اللذيْن لم يتوقفا بين تركيا واسرائيل في المجالات الأمنية والعسكرية، ما كان سابقاً، ووِفق خطط الناتو التي تحتل فيه اسرائيل مرتبة الحليف الاستراتيجي المُفضّل (غير العضو) في الاطلسي، رغم ما كانت تنطوي عليه التصريحات العنترية لاردوغان وتكراره لشروط التطبيع معها، في وقت كانت فيه ارقام التجارة البينية تواصل ارتفاعاتها «المليارية» وقطار رحلات السياحة الاسرائيلية الى المنتجعات التركية لم يتوقف للحظة واحدة وهو أمر ليس بمقدور أحد نفيه او التشكيك فيه.
تطبيع العلاقات التركية الاسرائيلية الآخذ في التجسد والبروز في سرعة لافتة، يبدو إذاً تحصيل حاصل، ما بالك بعد ان «حُشِر» اردوغان في الزاوية وباتت نكساته السياسية والدبلوماسية مُعلنة على الحائط، فضلاً عن سقوط مُغامراتِه وتبدُّد اوهامه «السوّرية» والصفعات المتتالية التي يتلقاها من موسكو، بعد «كمين» السوخوي، الذي ما تزال اصداء خساراته تتوالى في المشهد التركي.
اللافت بل المثير في كل ما يتواتر من انباء عن تطبيع بات جاهزاً بين اسرائيل وتركيا، هو ارتباك حركة حماس وقادتها، بعد ان غدا شبه مؤكد ان الاتفاق المُتبلوِر بين انقرة وتل ابيب، يقضي بإبعاد صالح العاروري، احد قادة حماس المُحرّرين والمُبْعَد من الاراضي المحتلة في صفقة شاليط، واغلاق الساحة التركية أمام نشاط وقادة حماس، الأمر الذي تجلّى بوضوح في تصريح د.محمود الزهار عندما قال: ننتظر معرفة تفاصيل الاتفاق التركي الاسرائيلي حتى نبني على الشيء... مقتضاه.
هل يواصل المُعجبون باردوغان وتجربته الآيلة للسقوط.. إعجابهم؟
أم ان «النموذج» الذي كادوا يؤلِهونه قد انهار؟
..الأيام ستقول لهم أن المسألة ابعد من حكاية شراء «غاز» اسرائيلي بديلا للغاز الروسي، بل نحن امام ضخ دماء جديدة في تحالف استراتيجي عسكري وامني لم ينقطع منذ اعترفت اول دولة اسلامية اسمها تركيا في إسرائيل اوائل خمسينات القرن الماضي!
kharroub@jpf.com.jo
عن الرأي