منذ عام تقريبا والاردن كان كما عَهِده العالم في هذا الوقت من كل عام يرتدي حلة عيد الميلاد المجيد، البيوت بدأت بلبس الزينة، وقلب العاصمة مضاء وعمق المدن يشع بالانوار الملونة، تماما كحب ابناء الوطن الاحرار، جميعهم بلا استثناء مسلمون ومسيحون، كانوا معا كما توارثوا معا على الدوام قلبا واحدا ينبض باجساد عدة.

الا ان ليلة العيد كانت بطعم مختلف حينها، فبدلا من اضاءة شجرة الميلاد والاحتفال واحياء صلوات العيد بفرح، غصت الدموع في عيون النساء وحناجر الرجال، وفاضت بمرار علقمي الطعم، كأن البيوت كلها اكتست بالحزن فجأة، اشجار الميلاد اللونة المضاءة أُطفأت فجأة والصلوات ارتفعت في الكنائس والمساجد بقلب واحد على نية الشاب الاردني الذي اختطفته يد الغدر، كان هذا الشاب هو البطل معاذ الكساسبة، معاذ الاحرار جميعا، معاذنا الذي وحد صفنا بغض النظر عن الدين او مكان الاقامة والولادة، معاذ الذي وحد امنيات الاردنيين جميعا في العام الجديد، امناتهم جميعا عودته هو، فوحدهم قلبا وقالبا.

اذكر بوضوح وجوه الاردنيين وكأن في كل بيت فُقِد غالٍ، توالت الصلوات والامنيات ان يرد الله معاذ سالما الى حضن امهات الاردنيين جميعا فبات له في كل بيت ام واب واخت واخ يعرفونه جيدا ويدعون له، اما هو فيعرفهم بالوطن فقط.

طال الانتظار... ومزق خبر استشهاد معاذ اكباد ابناء الاردن بلا استثناء، يوم استشهد بشموخ الفارس، كالنخل العالي يشمخ بصلابة، تلك اللحظات التي بثها "اشياء ما يسمى بداعش"، مازالت جلية للجميع وتحرق قلوبهم حتى اللحظة.

ها قد فصلنا عام تقريبا عن رحيلك يا بطلنا، عام بأكمله يا اخي، ها هو العيد آت وانت لست ها هنا، كالطيف تعبر تفاصيل غيابك من امامي ففي الرابع والعشرين من كانون الاول للعام الماضي كان يوما قاسيا، حين اسرك الغادرون، ونزل خبر اسرك كالصاعقة، وفي 4 من كانون الثاني لهذا العام تألمت انت وحدك بقدر ألمنا جميعا، تألمت حرقا، وفي 4 شباط نثرت دقائق الفيديو الذي بثه الدواعش اوجاعا في ارواحنا لن تحصى ولن تزول حتى يومنا هذا.

نستذكرك اليوم كما يذكرك الوطن دوما، لست طيارا في صفوف سلاح الجو فقط، بل بطلا يضاف الى سلسلة الابطال الذين يستذكرهم الشرفاء - الشرفاء فقط – بطل تماما كوصفي التل، وها نحن اليوم نقف على عتبات العام الاول لغيابك لنصرخ عاليا: ايا ام معاذ ها ان الوطن يستذكر معاذ معك، لست وحيدة يا عي ففي الوطن ذرات التراب كلها في حب معاذ هي عي، ولست واحدة يا ام معاذ فكل ام اردنية الى جانبك تذكر البطل.

مر عام، ولو مر بنا الف عام سيبقى معاذ، حيا فينا، في قلوبنا وعقولنا ودعائنا، سيبقى غصة الم ودعاء الرحمة، وسيبقى الاردن اقوى، سيبقى ويبقى ويبقى معاذ بطلا اردنيا رغم انف كل من حاول تشويه ذلك، رغم كل الحروف المتسخة بنوايا اصحابها سيبقى معاذ الحروف الانصع، وسيبقى اسمه سطرا خالدا في تاريخ وطن مجيد، ستبقى بحق قسمك العسكري حيا بيننا الى الابد.