"أم القضايا" المنسية والخيارات المحدودة!
رجا طلب
19-12-2015 03:33 PM
حضرت القضية الفلسطينية بعد فترة طويلة من تجاهلها على المستويات كافة، حضورها كان في مؤتمر "سابات" للسياسات الذي عقد مؤخراً في واشنطن، وهذا الحضور لم يكن للقضية بصفتها "أم قضايا العالم والشرق الأوسط"، بل حضرت كقضية متفرعة عن الإرهاب وتحديداً ما يطلق عليه "الإرهاب الإسلامي"، ومن أبرز من تناولها خلال المؤتمر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، والاثنان لم يرسما أية رؤية جديدة لفتح اختراق في الظروف التي تحيط بالقضية، فجون كيري عاد ليؤكد على أن الحل الوحيد والمتاح هو حل الدولتين، وأن بديل هذا الحل هو "دولة ثنائية القومية"، وهو الحل الذي ترفضه الأغلبية العظمى من الإسرائيليين، أما هيلاري كلينتون وفي سياق تعليقها على احتمالية انهيار السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس في حال استمرار الوضع العام داخل الضفة على ما هو عليه من جمود سياسي وانتفاضة أشبه بالعشوائية تشكل تحديا للسلطة وإسرائيل معا وأوضاع اقتصادية صعبة للغاية، فقد خلصت إلى استنتاج مثير للغاية، حيث خلصت إلى أن بديل سلطة محمود عباس هو داعش، ورغم عدم اتفاق الكثيرين من المحللين لمثل هذا الاستنتاج الذي فهم على أنه نوع من "الفزاعة السياسية" في وجه إسرائيل للمحافظة على بقايا "الهيكل العظمي للسلطة"، بعد أن تعرى هذا الهيكل من "لحم وشحم".
في التعليق على مجريات مؤتمر سابات للسياسات، قال هنري كيسنجر بما معناه، إنه لا حاجة لإيجاد دولة فاشلة جديدة في الشرق الأوسط "يقصد الدولة الفلسطينية العتيدة"، لأنها ستقع عاجلاً أم آجلاً في يد داعش أو أي تنظيم جهادي آخر، وأشار كيسنجر إلى ما كتبه اهرون ميلر في مجلة "وول ستريت جورنال"، وهو الذي أشرف لسنوات طويلة على المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بالتعاون مع عدة إدارات أميركية وتوقف عند نفس الاستنتاج، وهو أن الشرق الأوسط في ظل ما يعيشه من فوضى عارمة وحرب على الإرهاب فإنه لا داعي لقيام دولة فلسطينية فاشلة.
ماذا يعني هذا الكلام؟
إنه يعني أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية ساخنة بأي حال من الأحوال، وليس هذا فحسب، فقد تراجع مع حضورها السياسي على مستوى الإقليم والعالم شكل الحل السياسي لها، وبعد أن كان حل الدولتين هو العنوان الرئيس لمثل هذا الحل خلال العقدين الماضيين، فإننا نجد اليوم من يرى بهذا الحل خطراً على الإقليم، بدلاً من أن يكون داعماً للاستقرار فيه وفق نظرية كيسنجر – اهارون ميلر.
وفي مقابل هذا الاضطراب السياسي حيال القضية الفلسطينية خلال مؤتمر سابان كان وبكل أسف نتانياهو هو الوحيد الذي حدد الحل المطلوب والممكن، حيث طرح بشكل واضح أن هناك إمكانية لقيام دولة فلسطينية في ظل الاشتراطات التالية:
أولاً: دولة منزوعة السلاح ومقيدة في علاقاتها الخارجية بما لا يشكل خطراً على إسرائيل.
ثانياً: على الدولة الفلسطينية الاعتراف بيهودية الدولة العبرية.
مع تجاهل متعمد و"ملغوم" لقضايا المستوطنات والحدود والقدس وكلها قضايا إشكالية للغاية وحساسة للغاية أيضاً.
هذا في الجانب الإسرائيلي – الأمريكي من المشهد، أما في الجانب الفلسطيني – العربي فلا توجد أية رؤية لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، ولا توجد أية مبادرات لفصلها إعلامياً وسياسياً في المنابر المتاحة عن قضية الإرهاب والصراع الإقليمي المذهبي بالمنطقة، وهي تلك الأجواء التي شاهدنا كيف استثمرها نتانياهو عندما اغتال "حل الدولتين".
في المقابل نرى أن السلطة الفلسطينية التي تسمع يومياً موعد انهيارها كمريض مرض عضال لا تحرك ساكناً، والأخطر أنها تعتقد أن طوق نجاتها في أنها تكون مجرد مراقب للمشهد المتفجر في الأراضي الفلسطينية بين من يحملون السكاكين ويمارسون فدائية الدهس ضد الجنود الإسرائيليين والمستوطنين، ولكنها لا تعلم أنها باتت عنواناً لا يحمل أي معنى لأي طرف بما في ذلك الطرف الأكثر تقديراً لخدماتها، ألا وهو الطرف الإسرائيلي.
... عندما استشف ياسر عرفات، زعيم القضية التاريخي، أن القضية أصبحت مهمشة، فجّر وبالتنسيق مع الشهدين أبو جهاد وأبو اياد انتفاضة الحجارة، وقلب وقتها المعادلة، وعاد زعيماً لا يمكن شطبه أو شطب قضيته.
والسؤال هل يستطيع "عباس" فعل ذلك؟
24