تكبر التحالفات ويكبر اللغز
د.رحيل الغرايبة
18-12-2015 02:16 AM
كلما نشأ تحالف دولي جديد في مواجهة «داعش» على وجه الخصوص، أو في مواجهة الإرهاب على وجه العموم، زادت الحيرة لدى المواطن العربي والإسلامي، وزاد حجم اللغز المحيّر لدى سكان الكوكب، باستثناء قلة قليلة مطلعة على ما يجري عن كثب، وشريكة في صناعة الحدث وتوجيهه والاستثمار فيه على أوسع نطاق.
بدأت الحرب على الإرهاب قبل ظهوره، عندما أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق «كلينتون» عن بدء حرب القرن القادم وهي الحرب على الإرهاب قبل مجيء القرن الواحد والعشرين، وعندما جاء خلفه «بوش الابن» دشن التحالف الدولي ضد الإرهاب وأطلق شعاره المعروف، من ليس معنا فهو ضدنا، على إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر المشهورة، وبدأت الحروب الكونية على الإرهاب، واشتركت فيها جيوش ودول وممالك وامبراطوريات، وها نحن نحصد ثمار هذه الحرب المتمثلة بمزيد من مساحات الإرهاب وتوسع منقطع النظير في انتشاره إلى أقطار لم يكن قد وصلها من قبل، وظهور نسخ جديدة أشد تطرفاً وأكثر بشاعة.
بعد أن عجز التحالف الغربي عن اجتثاث « داعش»، جاءت روسيا «سبع البرمبة» لتقول : دعوا الأمر لي، وسوف ترون، ثم أقدمت كثير من الدول العظمى على استصدار قرارات للتدخل العسكري، وفي نهاية المطاف لا تجد الشعوب العربية إلّا صدور الأخبار والتصريحات عن عدد الطلعات الجوية، وتدمير مزيد من المنازل وتشريد مزيد من اللاجئين. الخبر الجديد يتكلم عن إنشاء تحالف إسلامي جديد يصل إلى (34) دولة في مواجهة الإرهاب والتطرف أيضاً، وفي مواجهة العدو نفسه، مما يزيد منسوب الحيرة لدى كل المراقبين والمتابعين للشأن السياسي حول حقيقة ما يجري فعلاً. معظم المؤشرات تتجه نحو حجم الجهود الكبيرة التي بذلت على صناعة هذا العدو، والجهود الكبيرة التي تبذل على تكبيره وتضخيمه والنفخ فيه، ولذلك يمكن القول أنه «إرهاب تحت الرعاية» ،من خلال الإصرار على تزويده بعناصر البقاء وخطوط الإمداد ومن خلال الصناعة الإعلامية والتلاعب بالرأي العام العالمي.
قبل بدء الحرب على العراق عام «2003» جرى حملة إعلامية كبيرة ومركزة من أجل تضخيم الجيش العراقي وقوته، وأنه خامس جيش في العالم، وتم إنشاء تحالف دولي لهذه الغاية، وتمت الحرب فعلاً وتم احتلال العراق، ولكن المفاجأة أن سقوط بغداد تم في أقل من اسبوعين، فكيف يتم تسويغ هذه الحرب طويلة الأمد على «داعش» التي ربما تصل إلى عشر سنوات حسب بعض التصريحات الصادرة عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الحالي، مع أن احتلال العراق كان فقط بمشاركة بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وكانت روسيا والصين، وفرنسا معارضة للحرب، بينما المعركة على «داعش» نجد أن الولايات المتحدة تضرب وبريطانيا تضرب وفرنسا تضرب، وروسيا تضرب وايران تضرب وتركيا تضرب ،ودول أخرى عربية واسلامية كلها تعلن عن عمليات وغارات وقصف وقتل، ولكن لا تغيير على أرض الواقع. تطور الأحداث على المشهد الإقليمي، ودخول أطراف كثيرة في ميدان المعركة بشكل فعلي، والإعلان عن بناء التحالفات يزيد من غموض الموقف ويعزز فكرة «المؤامرة» التي تلقي بظلالها على المشهد برمته، وتزيد من اتساع دائرة اللغز مع اتساع نطاق المعركة.
الدستور