لا استطيع اخفاء مشاعري حينما كنت اتمنى فوز المحامي صالح العرموطي نقيبا للمحامين لانني احس بقربه عاطفيا نحوي فقد ناداني بصوت عال ذات مقبرة لاقف بقربه وهو يبكي والدته رحمها الله في مدفنها بأم الحيران وأخذ "يعبطني" بحرارة وانا الذي فقدت ابني البكر اسامه قبل اسبوعين من وفاة والدته ،ورحت ابكي معه امام الملأ..ومنذ ذلك الوقت وانا متعاطف مع الرجل واحبه..وفي قاعة الزهراء بمجمع النقابات المهنية راقبت المشهد الانتخابي حتى الساعة الرابعة والنصف فجر السبت حيث اعلنت النتائج وكان العرموطي يخطب خطبته الشهيرة بعد ان دخل القاعة بحركة كاريكاتورية محمولا على الاكتاف ويلوح كزعيم اشبه بالفاتح حسن نصر الله وسط هتافات الجماهير المؤيدة وآذان الفجر من قريب ينادي : "حي على الفلاح". .
ارتقى الرجل منصة لجنة الانتخابات وراح بصوته المتهدج المبحوح يشكر المجاهدين والمقاومين في كل ارجاء الارض من فلسطين الى لبنان الى العراق وافغانستان واوزبكستان و.. الا نحن العبيد الى الله "الاردنيون الابرار"فلم يكن لنا من كلمة "سماحة السيد" لا حمدا ولا شكورا فواجبنا اما ان ندلي باصواتنا أونصفق ونهتف خلف احد المشايخ الذي اطل فجأة من بين الجموع وكانه خرج من باطن الارض ليردد فجأة
طتكبير" ..ثم يواصل .."الله غايتنا والرسول قدوتنا والجهاد سبيلنا والقرآن دستورنا ...والموت في سبيل الله اغلى امانينا ..." وهو القسم الذي كان يصر علينا مشايخنا في الاخوان المسلمين بالسلط قبل ثلاثين عاما ترديده ونحن الاعضاء"السنافر" في الجماعة حين كان اميرنا "ابو انس" ابراهيم المسعود الخريسات وكان في جانبنا يجلس اقطاب اليوم عماد ابوديه ومروان الفاعوري والجغبير ويوسف الساكت وابوهارون الريالات وغيرهم كثير وكان "جزء عم" لا يفارق ايدينا فالمطلوب حفظه كاملا ...وظلت في ذاكرتنا حتى ونحن ندرس الصحافة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة وبقربنا اسامة بن لادن - ماغيره ابو البرجين - يدرس الاقتصاد ..
ولفت انتباهي منذ لحظة الاقتراع ان الذين أدلوا باصواتهم للعرموطي ليسوا اسلاميين انما مسلمين ومسيحيين من بعثيين وقوميين واردنيين مثلنا طفايله وسلطيين وكركيين وزرقاويين ليسوا من جماعة ابومصعب بالتأكيد ..وفلسطينيين فتحاويين وجبهويين من كل الفصائل الممثلة في معقل المجمع الزاخر بالتناقضات والقلوب المغلفة بما ليس ما يظهر على الوجوه وفوق ورقة الانتخاب ..
واكثر ما يغيظك هؤلاء القلة التي خطفت النصر وجيرته كعادتها لها ولحزبها فلم تظهر كوادرها من المنتمين الى "الاخوان" الا عند حسم الاصوات في الصندوق التاسع ..وكأن فرح واحد مثلي بنجاح العرموطي او الطفيلي القادم من قرية بصيرا ليؤازره مرتبط بايمان او تعاطف مع الاخوان ، ليجأر بصوته "منصورين وبعون الله .. منصورين "ويردد العامة خلفه بلا معرفة لما يبغي الاخ الامجد وعلى من !!..
ويطلع العرموطي بشعره الابيض بالقول :"هذه نتيجة الانتخابات جاءت لترد على بوش واتباعه " .. وكأن هذا الرجل المسكين مازن ارشيدات المنافس الرئيس له والجالس على يساره مبتسما غير مكترث لخسارته بفارق بسيط بروح رياضية والذي راح يقبّل الفائز بحب وامل مندوبا للسفارة الاميركية او كوندوليزا رايس وليس القومي المتمكن الذي يخوض الانتخابات لاول مرة نقيبا ليواجه ليس صالح انما كتل وجبهات وربما سلطات وحكومات ظل تتنافس على الموقع وترسل رسائل الشوق والعبرة ..
لقد اذهلني العرموطي بخبرته واجادته واستغلاله للنفوس والوجوه والمواقف ودون ان تحس بما في داخله من مكنونات واقتناصات ومعرفة بالناس الطيبين في وطننا الذين تعتقد انهم يطيشون على شبر من ماء ..ولسانه الدافيء الجميل الذي يسب الصفويين ويصوّت له الاسلاميين في ذات اللحظة ..
أغبط صديقي العرموطي وأكن له التعاطف لكن اتوقف كثيرا عندما قفز عن حقيقة ان نقابته اردنية وتقع في قلب عاصمة عبد الله الثاني بن الحسين ،لقد كبر مقتا عند امثالي ان يسرق نفر كأس المباراة وسط فلاشات الكاميرات والهواتف الخلوية التي صورت لحظة الفوز ويذهبون الى العبدلي / جانب المستشفى الاسلامي ،منتصرين بفوز رجل انتخبه قرابة الالفي محام ليقولوا ان الله معنا .. وليس مع غيرهم من أبناء الجلدة السذج ..
صرخت في القاعة :" العرموطي ليس لجماعة او تيار.. لماذا ومن اين خرج هذا " ...فاغلق صديقي الخائف فمي وقال وانا امتطي كرسيا مستأجرا .. " انزل انزل لا توكل كتله " .. فنزلت !!!
samhayari@gmail.com