إذا كنت تريد أن تفهم مزاج الرأي العام في مجتمعات معينة ، وتتعرف على قناعاتها الظاهرة والمكتومة ، فاسأل المتطرفين ، فهم الأكثر جرأة وصراحة في التعبير عما يعتلج في نفوس كثيرين ، من الأغلبية الصامتة.
يكذب كثيرون وهم يدينون التطرف لفظياً وعلناً وإن كانوا يتفقون معه قلباً وقالباً. المتطرفون في كل مجتمع منبوذون ظاهرياً، ولكنهم يتمتعون بشعبية مكتومة ، وهم أكثر تمثيلاً لمزاج شعوبهم فيما يتعلق بالعدوانية والكراهية والعنف ضد الآخر.
إذا أردت أن تعرف سياسة وتوجهات إسرائيل مثلاً ، لا تسأل المعتدلين الذين يصرفون لك كلاماً حضارياً ، ويتحدثون عن السلام والتعايش ، بل اسأل المتطرفين ، ثم اسأل نفسك لماذا يخدم التطرف شعبيتهم كما تدل الانتخابات واستطلاعات الرأي لولا أن المجتمع الإسرائيلي لا يقل عنهم تطرفاً ، ولكنه لا يتمتع بالجرأة (الوقاحة) اللازمة للتعبير عنه.
دونالد ترمب مثلاً ، الذي ينافس على ترشيح الحزب الجمهوري لمنصب رئاسة أميركا، كان يكذب عندما تعهد بأن يمنع المسلمين من دخول أميركا إذا صار رئيساً ، فهو يعرف أن هذا المنع لن يحدث حتى لو أصبح رئيساً لا سمح الله ولكنه يريد دغدغة عواطف الشارع الأميركي الذي رفع شعبية ترمب إلى المقام الاول بين المتنافسين.
خطورة ما يقوله ترمب لا تكمن في المضمون البشع بل في الكشف عن أن هذا ما يريده الشارع الأميركي ، مما يؤدي لرفع شعبية ترمب كما تقيسها استطلاعات الرأي.
بنفس المعنى فإن تطرف «داعش» يعطيها المقام الاول بين المنظمات الإرهابية ، ويؤمن لها شعبية واسعة ، مما يدل على أنها تعبـّر عن أحقاد دفينة موجودة في صدور كثيرين.
عندما يؤدي التطرف إلى شعبية المتطرفين ، فالمعنى واضح وهو أن التطرف موجود في الصدور ومعشش في العقول ويبحث عمن يعبـّر عنه ويتحمل المسؤولية.
يذكر أنه لا أحد أو تنظيم يصف نفسه بالتطرف ، ولا يوجد حزب يسمي نفسه يمين متطرف ، فالتطرف له معنى سلبي ، والاعتدال له معنى إيجابي ، والمتطرفون يصفون تطرفهم بأنه ثورية ، مقاومة ، استخدام للقوة ، عنف ثوري ، قناعة مطلقة ، حقيقة نهائية ، ومع ذلك فلا بد على سبيل الاستثناء من الاعتراف بأن التطرف في الدفاع عن الحرية مثلاً ليس سيئاً ، وإن الاعتدال في مقاومة الفساد ليس جيداً.
التطرف لا يأتي من فراغ فهو إفراز اجتماعي.
الرأي