العنف الطبي يضع الجاني والضحية في قفص الاتهام
سارة طالب السهيل
15-12-2015 06:51 PM
يعد العنف الطبي من اخطر القضايا التي تهدد سلامة وأمن وصحة المواطنين في العالم كله، لكنها تأخذ تناميا كبيرا في عالمنا العربي بسبب عوامل عديدة، من بينها ما تشهده منطقتنا العربية من صراعات وحروب داخلية وارهاب، عملت على زيادة عدد المرضى والمصابين، كما أفقرت العديد من الدول العربية مما اضطرها لتقليص مواردها في توفير الرعاية الصحية اللازمة لسكانها.
النتيجة ان عالمنا العربي يشهد سلوكا عدوانيا متبادلا بين المرضى والاطباء نتيجة انتظار المريض كل شكل من اشكال الامل في الرعاية الصحية والتي قد لاتأتي وفقا لتوقعاته، بينما يأمل الأطباء من المرضى التقديرالذي قد يتحول الى عنف وضرب اذا ما أهمل في عملية جراحية، أو تأخر في توفير العلاج السريع لمرضى الطوارئ.
ففي بغداد تعرض طبيب مقيم باحدى المسشتفيات للضرب والكدمات من جانب ثمانية أشخاص ذوي مريضة توفيت بعد ان جاءت المسشتفى متأثرة بحروق من الدرجة الاولى بعد اعلانه وفاتها، فحطموا ما وقعت عليه أعينهم من الاجهزة وسط عدم تدخل الامن خوفا من بطش ومقاضاة عشائرهم، وهذه الظاهرة تكررت في مختلف مسشتفيات العالم العربي بعد الانفلات الامني الذي صاحب ثورات الربيع العربي.
فالاطباء يتعرضون الى المضايقات والتهديدات بالقتل، ويتعرض العديد من الجراحين والاطباء الى المضايقات اليومية من ذوي المرضى الذين تجرى لهم عمليات جراحية (مستشفى الحسين العام في كربلاء)، وتصل حدة التهديدات الى الفصل العشائري!
وقد يكون الطبيب نفسه ضحية بسبب قصور توافر الادوية او توافر أدوية منتهية الصلاحية نتيجة الفساد في المستشفيات، وعدم توافر الامكانات المادية لتطوير اجهزتها.
ويكشف ملتقى طبي بالجزائر عن سلوكات عدوانية خطيرة تتنامى في وسط الهيئة الطبية من الأطباء والممرضين ترافقها سلوكات أكثر إنحرافية تضر بالمرضى كتأخير مواعيد العلاج أو المراهنة الطبية عن عمد وكذلك والإهمال والتسبب فيه وإخفاء الأدوية وإعطاء معلومات خاطئة، أو توجيه استشاري خاطئ للمرضى .
ويوضح الملتقي الطبي الجزائري ان الوضع يزداد سوءا والعلاقات توتراً عندما يجد المرضى أنفسهم مضطرين إلى التوجه إلى هذه المصحات فهم يكونوا متوترين بالإضافة إلى سوء المعاملة والعدوانية من طرف الهيئة الطبية بالمصحات، فتتحول مصالح العلاج إلى خلية للصراع والمواجهة أحيانا فتحصل اعتداءات وردود فعل عنيفة من المرضى اتجاه الأطباء .
ولم يقتصر التوتر الذي أصاب العلاقة بين المريض والسلك الطبي وشبه الطبي على الجزائر فقط بل أصبح ظاهرة عالمية تميز معظم الدول التي تشهد مظاهر الإهمال واللامبالاة التي يكون ضحيتها المرضى.
أخطاء طبية
برغم ما يتعرض له الاطباء من عنف من جانب أهل المرضى، الا ان بعضهم قد يتسبب وقوع أخطاء طبية فادحة، فها هو طبيب سعودي باحدى المسشتفيات التخصصية بمكة المكرمة، يلحق الضرر بطفل لا يتجاوز 4 سنوات، مسبباً له تعفناً في مكان الجبر في عظمة فخذه المكسورة، كما تعرض لآلام والتهابات، ما جعل حياته على محك الخوف من عواقب الخطأ .
وفي مصر حالات كثيرة رحلت عن هذه الدنيا بسبب الإهمال الطبي في مستشفيات لا تحترم حقوق الإنسان وحقه في رعاية طبية محترمة، ومنها نموذج "هبة العيوطي" والتي دخلت أحد المستشفيات الخاصة لإجراء بعض الأشعة والفحوصات الطبية لتخرج منها جثة هامدة نتيجة لحقنها بمادة مجهولة عن طريق الخطأ.
وكذلك "رشا فرج عبد الله"، التي كانت تعانى من ورم ليفي على الرحم، ذهبت لمستشفى خاص لاستئصال الورم، لكنها ودعت دنياها لانعدام الضمير المهني.
وعليه فإن العنف الطبي وشبه الطبي يمكن أن يؤدي إلى الضرر أو التشويه وربما إلى الموت فالطبيب الذي يقدم أدوية فاسدة، أو طبيب يوصف أدوية للزكام تؤدي إلى تفاعلات جانبية خطيرة، منها النعاس ما يسبب حوادث مرور أو الزيادة في جرعات التحذير التي تفضي إلى الشلل أو الموت هنا يصبح الطبيب أو الممرض خطيراً بما أنه يحدث الضرر للغير.
حقائق موجعة
في سبتمبر الماضي 2015 كشف محمود فؤاد، مدير المركز المصري "الحق في الدواء"، عن رصد المركز مظاهر الإهمال الطبى بالمستشفيات، مؤكدا أنه جاء على رأسها التأخير في تقديم التدخل الطبى لعدم وجود الطبيب المختص أو غيابه أو عدم التزامه بأوقات العمل في النوبتجية.
وأضاف في تصريحات له، أن التعامل الطبى الخاطئ (التشخيص)، أو إعطاء الدواء الخطأ، ورفض استقبال الحالات المرضية الطارئة من قبل المستشفيات الخاصة بالمخالفة لقرار رئيس مجلس الوزراء، باستقبال تلك الحالات لمدة 48 ساعة، يعد مخالفة صريحة لنص المادة 18 من الدستور.
وأشار "فؤاد" إلى استمرار العمل للطبيب لنحو 24 ساعة متواصلة سبب في الأخطاء الطبية، موضحا نماذج منها، كالطفلة "دينا. ع" (عامين) من حلوان، التي دخلت مستشفى الهرم لإجراء عملية ببصرها، فقام طبيب بوصف حقنه لها ولم يتابعها فقامت الممرضة بإعطائها حقنة قاتلة فتوفت سريعا.
وأكد أنه نحو 11 حالة توفيت أثناء جراحات تدبيس المعدة بمستشفى أحمد ماهر التعليمى بسبب أخطاء طبية أثناء العملية، أغلب هذه الحالات خرج من غرف العمليات مصاب بغيبوبة أدت للوفاة، وقد قام أهلي الحالات بتنظيم وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء، في وسط القاهرة، بعد وفاة أكثر من 17 شخصا من أقاربهم، نتيجة أخطاء طبية ارتكبها طبيب متخصص في جراحة السمنة في المستشفى.
وقد اكتشف المركز من خلال شهادات المرضى نحو 200 سبب لخطأ طبى يقع يوميًّا ضمن أمور غير مكتوبة من جانب الطبيب فيما يخص تعليماته لطواقم التمريض، وبسببها يتهرب الطبيب من مسئولياته أمام القانون.
وذكر أن أشهر حالات الأخطاء من جانب فرق التمريض تقديم جرعات الدواء بشكل خاطئ، أو إعطاء دواء بالخطأ، أو تأخير عناية الممرضات لساعات بسبب الزحام مع نقص توفير العدد المناسب لضغط المستشفى، أو اتخاذ إجراءات طبية دون تدريب صحيح.
دور الانفلات الامني
ولعب الانفلات الأمني في مناطق متعددة من العالم العربي كما هو الحال في العراق وليبيا وسوريا وليبيا أزمة دورا كبيرا في بروز ظاهرة البلطجة العنف الطبي داخل المستشفيات وأصبح الأطباء غير قادرين على ممارسة مهامهم بأمان، وأضحى المريض يفتقر لأدنى درجات الرعاية الصحية و لاسيما حقه في الأمن.
وسجلت المستشفيات الحكومية المصرية عام 2013 أعلى معدلات الانتهاك والتعدي عليها، مما ترتب عليه دخول العديد من الأطباء والممرضين والممرضات والعاملين بالمستشفيات في إضراب مفتوح، والتهديد بإغلاق أقسام الطوارئ والاستقبال بالمستشفيات، حتى يقوم الأمن باستعادة دوره في تأمينها، سواء بإنشاء نقاط شرطة، أو حراسات خاصة للحيلولة دون تكرار مشهد تعدي البلطجية على المستشفيات التي أصبحت ساحات للبلطجة من قبل المجرمين أو بعض أهالي المرضى.
وقد تكون حادثة اقتحام طوارئ قصر العيني هي الأشهر في وقائع تهديد المستشفيات الحكومية، من سيطرة البلطجية عليها، لتتحول ساحاتها إلى مسرح للأحداث الدامية.
ففي المستشفيات الحكومية بمحافظة المنيا قام أهالي مريضة بتحطيم قسم العناية المركزة بمستشفى ملوي العام، عقب وفاة إحدى قريباتهم، وتعدوا على الأطباء، بدعوى تقاعس أحد الأطباء في إسعافها وعلاجها. وفي الوقت ذاته كشفت تحريات رجال الأمن بأكتوبر أن 6 أشقاء وراء تحطيم واجهة مستشفى الشيخ زايد التخصصي والاعتداء على طبيبين بالضرب بسبب تأخرهما في إسعاف والدتهم أمرت نيابة أكتوبر، بحبس الأشقاء الستة بعد أن أجرت تحقيقاتها في الواقعة وثبت أن "تقاعس" الطبيبين كان سببا في الاعتداء على المستشفى وتحطيم أثاثها.
كما تنوعت حوادث الاعتداء على المستشفيات فكان منها ما تم بغرض السلب والنهب والتخريب، كما في حالة مستشفى تبارك للأطفال ومستشفى قصر العيني التعليمي، ومستشفى الدمرداش التعليمي التي وصلت فيه الحد إلى اختطاف أحد الأطباء لتوقيع الكشف على مصاب في حادثة.
وتكررت جرائم البلطجة لتصل إلى حد التعدي بالأسلحة البيضاء على الأطباء وأطقم التمريض والمرضي، وتدمير الأجهزة الطبية الموجودة، مما دفع وزير الصحة إلى إغلاق أقسام الطوارئ في هذا المستشفيات حتى يتم توفير الحماية اللازمة للعاملين والمرضى.
ولعل هذه المشاهد المؤسفة بمصر قد تكررت في معظم الدول العربية كالعراق وفلسطين وغيرهما مع اختلاف اشكال العنف الطبي فيها .
التجارة بالمرضى
ويواجه المرضي المحتاجين لاجراء علميات جراحية أسوأ معاملة في المستشفيات الحكومية او مستشفيات التأمين الصحي، حيث يواجهون تلكؤا في تحديد مواعيد الجراحة مما يزيد من عبء تحمل الآلام، خاصة اصحاب الحالات المستعجلة .
أما في المستشفيات الخاصة، فان الوضع يبدو اشد صعوبة لانها مستشفيات تهدف للربح اولا وترفع شعار ادفع كاش أولا. فقد يصاب المواطن العربي بأزمة صحية مفاجأة مثل التهاب الزائدة الدودية او حتي كسر مفاجئ في ذراعه وما شابه من الحوادث المفاجئة ويذهب لاقرب مستشفي لمنزله في ساعات الليل المتأخرة وترفض المستشفى استقباله لعدم توافر نقود معه مما يدل علي ان أننا فقدنا انسانيتنا وحولنا مهنة الرحمة الى تجارة على حساب حياة الانسان، ناهيك عن ارتفاع اسعار الدواء وارتفاع أسعار السكن في المستشفى للمريض ومرافقه .
حسم ضروري
لعل قضية العنف الطبي تحتاج تضافر جهود قطاعات الصحة والامن والقانون في العالم العربي لتوفير الامن بالمسشفيات وتزويد الخدمات الصحية والاجهزة اللازمة عبر منظومة أمنية بجانب ادارة طبية ناجحة تحفظ صحة المواطن وتعاقب المخطئ.
ولابد من تأهيل ضباط الأمن بالمستشفيات عبر التدريب بقطاع الحراسات والتأمين بوزارة الداخلية لتدريب وإعداد كوادر الأمن الداخلي بتلك المستشفيات وتأهيلهم للقيام بمهام أعمالهم.
وهناك ضرروة ملحة في تأمين المستشفيات، وحماية الأسوار الخارجية والبوابات باستخدام بوابات إلكترونية، وكاميرات تصوير، وأبراج مراقبة، ونقاط تفتيش، وتأمينها ضد أخطار السرقة والحريق، واعتداءات البلطجية وأهالي المرضى.
وتفعيل دور الطوارئ في المستشفيات، بأن تكون لها أولوية في وزارة الصحة، وإنشاء شبكة اتصالات تجمع بين أقسام الطوارئ على مستوى القطر، بحيث يتنقل المريض بين المستشفيات بناء على توفر الخدمة وهو ما يتطلب ايضا زيادة ميزانية وزارات الصحة في العالم العربي لتحسين أجور الأطباء والعاملين بالمستشفيات، ما ينعكس إيجابًا على تقديمهم الخدمة الطبية المرضية.
وتبقي حماية المريض من الاخطاء الطبية ضرورة حتمية من خلال الالتزام بالمعايير الطبية والاخلاقية في منظور حقوق الانسان، بجانب تطوير التشريعات والسياسات العامة اللازمة لإيجاد ضمانات عادلة وكافية للحماية من الأخطاء الطبية وردعها والتعويض عنها ماديا ومعنويا.
وارى انه من الضروري ان نعيد لمهنة الطب شرفها الانساني ونجرم تحولها لتجارة لننقذ الإنسان من الالم والموت.