مبادرات جلالة الملكة رانيا التعليمية .. طريقنا للنهضة
اسعد العزوني
15-12-2015 04:29 PM
ملكات عدة طواهن التاريخ أو بقين في ذاكرة الشعوب للتندر عليهن ، وفي المقدمة ملكة فرنسا ماري إنطوانيت ، التي قالت بعد أن اخبرها مستشاروها أن الشعب الفرنسي لا يجد الخبز ليأكل ، بتهكم : "خليهم ياكلوا كيك"، بينما جلالة الملكة رانيا العبد الله وفي غضون سنوات قليلة ثبّتت بصمتها الواضحة المضيئة ، وسيخلدها التاريخ منصفا وعادلا ، ليس لكونها ملكة فقط ، لأننا لا ننظر إلى مثل هذه المعايير ، بل لأن بصماتها عديدة ، وتعود بالنفع على الشعب الأردني ، وعلاوة أيضا على جمال مبادراتها ، قد إختيرت مؤخرا كإحدى أجمل عشر نساء يحملن لقب السيدة الأولى في العالم .
وهنا لا بد من التوضيح إن جمال جلالتها هو جمال روح أولا مغلف ببساطة تملؤها الثقة بالنفس ، وهي بحق تستحق لقب ملكة الفرح ، لأنها تبث الفرح في كل مكان تتواجد فيه ، وقد كنت أفخر خلال سفراتي إلى الخارج وأنا اتحدث عن جمالها وبساطتها وقدرتها على إشاعة الفرح ،وأسمع ذات الشيء من الآخرين المعجبين بجلالتها وما لديها من إمكانيات وقدرة على الحضور وترك بصمة واضحة مضيئة.
ما أود الحديث عنه وتميزت به جلالة الملكة رانيا العبد الله ، هو مبادراتها التعليمية ،التي تستحق أن يقال عنها أنها طريقنا للنهضة والسؤدد ، لأننا بحاجة لنشىء متعلم مبدع ، ولا يمكن ان نصل إلى هذه المرحلة بدون إعداد معلم ناجح يتولى تنفيذ أجندتنا المعدة بدقة متناهية ، وهذا ما تميزت به جلالتها حيث مسكت المجد من أطرافه وهي مبادرة "مدرستي " للنشىء ، ومبادرة اكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين ، لتكون المعادلة قد إكتملت بطرفيها الرئيسيين وهما الطالب والمدرس ، وهما معا يشكلان أيقونة العملية التربوية ، ولعل ما يلفت النظر أن هذه الأكاديمية تعنى بشؤون المعلم العربي أيضا ، ولهذا مغزى ، أننا قوميون بطبعنا ، ولتعزيز الموقف فإن جلالتها أطلقت قبل خمس سنوات مبادرة علمية قومية بإمتياز لإحياء 22 مدرسة في القدس المحتلة بعنوان " مبادرتي فلسطين".
التعليم .. النشىْ ..النهضة والتطور ... المدخلات تحدد المخرجات ،فإن اتقنا فن المدخلات ، حصلنا حكما على مخرجات صحيحة وبنقاوة أعلى وحققنا الهدف ، ولذلك فإن فهم عملية التحضر والحضارات ، تحتم عليناعربا ومسلمين أن نلجأ للتعليم المعرفي المنهجي الصحيح ، لا التعليم القائم على التلقين والحفظ من اجل الإمتحان ، لأنه بدون تعليم ملتزم هادف ، لن تنهض أمتنا ، ولن نعثر لنا على مكان مناسب يليق بنا بين الأمم ، حتى لو كان في الأطراف ، ما لم نغير طريقة تعليمنا ، وهذا ما تقوم به جلالتها ، علما أن هناك وزراء تربية وتعليم وتعليم عالي منذ الإمارة وحتى يومنا هذا ،لم نر منهم شيئا متعلقا بالتغيير الإيجابي والنهضة في مجال التعليم.
لم تأت جهود جلالتها في مجال التعليم من فراغ ، ولم تكن مبادراتها إعتباطا للفت الأنظار فقط ، بل كانت تجارب الاخرين نصب عينها وفي الذاكرة ، وفي المقدمة بطبيعة الحال تلك الشعوب التي تعرضت لمحن اشد من محننا ، ولكنها نهضت بعقول أبنائها ونظرة حكامها الثاقبة ، وأعني بذلك اليابان وكوريا الجنوبية اللتان كانتا في سبعينيات القرن المنصرم بنفس مستوى مصر إقتصاديا ومعرفيا ، لكن المبادرات النهضوية التي إفتقدناها نحن ، جعلت من اليابان وكوريا في المقدمة ، فيما نرى المحروسة مصر الغالية علينا جميعا بسبب إنعدام المبادرات تتأخر عن الركب كثير ، ولا ننسى ألمانيا بطبيعة الحال.
لقد تعرضت اليابان إلى كارثة في الحرب العالمية الثانية مسحت العديد من مدنها وسويت بالأرض ، وتعرضت مدينتا هيروشيما وناغازاكي لهجوم نووي أمريكي كتجربة امريكية ، لكننا نرى المدن اليابانية ومن ضمنها هيروشيما وناغازاغي حاليا ، وقد تخولت إلى بانوراما جمالية تفوفق جمالها جمال البنيان الغربي .
بعد الحرب العالمية الثانية أمر الإمبراطور المستسلم هيروهيتو بتحديث دراسة أعدت قبل الحرب ، وشكل لجنة لتحديثها والإنطلاق في نهضة اليابان بواسطتها وهكذا حلقت اليابان عاليا في سماء العلم والمعرفة، فحصدت نهضة شمولية قامت على العلم الذي إنبثق من البحث والتطوير والإرادة المشتركة بين الحاكم والمحكوم .
أما كوريا الجنوبية فكان إحتلالها إحلاليا ، ولكن عزيمة قيادتها ما بعد التحرير ونزاهتهم وإستقامتهم ، جعلت من كوريا بلدا ناهضا مبدعا ، كما أن ألمانيا التي خرجت من براثن النازي ،أنجزت نهضتها بالعلم وتربعت على عرش أوروبا إقتصاديا ، وكما هو معروف فإن ملك الإقتصاد سيؤول له ملك السياسة حكما.
نحن العرب والمسلمين لسنا أقل طموحا من الآخرين ، ولا تنقصنا الإرادة والإمكانيات ، ولكننا بحاجة لتفعيل إرادتنا كي نسير على الطريق الصحيح ، طريق النهضة والعلم والمعرفة ، فكل العناصر عندنا متوفرة ، وكما هو معروف فإن واقع الحال عندنا يتطلب منا التغيير الإيجابي ، وكتاب الله يحثنا على التسلح بالعلم والمرعفة والقوة "وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ورباط الحيل "وقال أيضا "وعلم الإنسان ما لم يعلم "و"سنريهم ما في الآفاق " ولن تنفذوا من أقطار السموات والأرض إلا بسلطان " ويعني العلم بطبيعة الحال .
كما قال جل في علاه "وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟" وعلاوة على ذلك فإن الذكاء العربي مشهود له في الخارج ، إذ يبرز العقل العرب المهاجر في الخارج عندما تتوفر له الإمكانيات ، ولا ننسى إسهام العقول العربية ومن ضمنها العقل الأردني والفلسطيني في وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا "منذ خمسينيات القرن المنصرم.
ومع كل التقدير لجلالة الملكة رانيا وجهودها النهضوية الصادقة في مجال العلم المعرفي، وما تبذله من عطاء سخي لتمكين النشىء ،فإننا نناشد الجميع ، ليس الحذو حذوها فقط ، بل تقديم الدعم السخي والبناء على ما تقدم لنقرن القول بالعمل في الإنتماء للوطن لأن هذا الوطن للجميع ،وإن كانت جلالة الملكة في مقدمة المتطوعين لنهضة هذا الوطن ورفعة وسمو أبنائه جميعا ومعه أبناء الوطن العربي .
ويقيني جازما لو ان القادرين نذروا جهودهم وإمكانياتهم في حدها الأدنى على الأقل لدعم جهود جلالتها ، ولمسنا ذلك ليس شفاهة أو على الورق فقط أو عبر موجات الأثير كما يحدث أحيانا ، بل عملا وفعلا أكيدين على أرض الواقع ، لرأينا إنجازا أسرع وأكبر ، لأن الله عز وجل في علاه بارك في العمل الجماعي وفضل المبادرين بأن ميزهم بالفضل ، ولم يقلل من شأن المؤازرين.
بالأمس القريب وفي مركز الملك الحسين للمؤتمرات على الشاطيء الشرقي للبحر الميت ، بدت جلالتها مجللة بالفرح وهي ترى ثمرة من ثمار جهودها وهي أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين وهي تحتضن مؤتمرا دوليا لتطوير المعلم العربي ،وأصابت جلالتها كبد الحقيقة في كلمتها الإفتتاحية إذ خاطبت المعلمين العرب بقولها :" أنتم خط الدفاع الأول في حربنا ضد أعداء الإنسانية "، وتكون جلالتها بذلك قد وظفت اللحظة من أجل الهدف.
وقد إتسمت جلالتها بمستوى عال من التواضع وهي تتجول في معرض المؤتمر وتصافح هذا وتطمئن على تلك ، وتتجاذب أطراف الحديث مع الجميع،وإبتسامتها تشع فرحا وتشرق سعادة وفرحا غامرين ، وهذا من شيم الملكات المخلصات لشعوبهن ويحرصن على نقاء وبقاء بصماتهن واضحة مضيئة في يالتاريخ .
يزهو المكان بجلالتها وهي تتنقل بطلتها البهية وهي تضفي الفرح وتنثر السعادة على وجوه الجميع وخاصة عندما تزور المدارس ، وكيف يمكن لعقل غض أن ينسى ذلك المظهر الجميل الذي يشع فرحا من ملكة الفرح؟