التعليم .. والمستقبل المجهول
د. ماهر الحوراني
14-12-2015 01:52 PM
لماذا لا يوجد آذان صاغية لنداء الاستغاثة العاجل من قطاع التعليم بشكل عام سواء أكان التربية والتعليم أو التعليم العالي ؟!.. والى أين ياخذنا المسؤولون عن هذا القطاع الذي يعتبر اللبنة الاساسية الاولى في اي مجتمع وعليه يترتب مستقبل الاجيال القادمة..؟! والى متى سنستمر في اختيار المسؤولين غير المناسبين لمثل هذا القطاع ؟
وهل ننتظر الوصول للكارثة والى تدمير هذا القطاع في ظل سياسات التربية والتعليم والتعليم العالي غير المدروسة ؟!
لنبدأ من قرار التربية والتعليم بإجراء امتحان الثانوية العامة لمرة واحدة في العام والعودة الى نظام سبق تجربته طويلا... انه قرار العودة الى الوراء وهدر لجهود بذلت لبناء فلسفة جديدة لامتحان يتسم ببعض المرونة من حيث المسارات وخلق الفرص للطلبة. كما أن ذلك يزيد من الضغوطات والأعباء النفسية على الطلبة وأهاليهم ويؤدي الى ضياع سنة كاملة من عمر الطالب في حال أخفق في الامتحان ويضمه لصفوف العاطلين عن العمل !!
كما أن من يتتبع اعداد المتقدمين لامتحان الثانوية ونسب النجاح يكتشف عقم السياسات التعليمية وافتقارها للتخطيط وكأنها تنظر إلى التعليم على أنه غير معني بأبنائنا ومستقبلهم وبمؤسساتنا التعليمية وتطورها. فقد بلغ عدد المسجلين لامتحان الثانوية العامة هذه الدورة 157 الف طالب وطالبة مقارنة مع 130 الف طالب وطالبة في العام الماضي نجح منهم 31 الف طالب بنسبة 20% تقريبا.. أي أن هناك زيادة في إعداد المتقدمين لامتحان الثانوية بفعل نسبة الرسوب الكبيرة في السنوات السابقة وهو ما يدلل على أن هناك خللا في الوزارة من ناحية أسس التقويم وكذلك غياب رؤية استراتيجية شاملة لدى المسؤولين عن هذا القطاع... ويبرز هنا تساؤل مشروع وهو أين يذهب جيش المحبطين هذا في ظل ما تعيشه المنطقة من تطرف ؟!
أيضا من يتابع بيان الوزارة الذي يحذر اولياء الامور من تدريس ابنائهم في المدارس المخالفة خارج الاردن يكتشف وكأن الوزارة غير معنية بدراسة أسباب ظاهرة دراسة أبنائنا للتوجيهي خارج الاردن.. وكيفية علاج هذه الظاهرة.. واين مكامن الخلل ؟.... بل هي فقط تصدر التعليمات والتحذيرات حول أسس معادلة الشهادة الثانوية من الخارج !!.. وتاليا نص فقرة من البيان: «تدعو الوزارة أولياء امور الطلبة بضرورة التأكد من المدارس التي يرسلون ابناءهم للدراسة فيها ( والمقصود هنا خارج الاردن ) بعدم مخالفتها لأسس وتعليمات معادلة الشهادات في الوزارة، وعدم الوقوع فريسة لبعض المكاتب التي تؤمن هذا النوع من القبولات مقابل كسب مادي غير مشروع على حساب أبنائنا الطلبة.» ان وزارة التربية والتعليم هي من أجبرت الطلبة الراسبين أو من هم على ابواب التوجيهي على مثل هذه الخيارات والهجرة الى بلدان اخرى وآخرها تركيا لدراسة التوجيهي (أو شراء شهادة توجيهي بمعنى أصح) والعودة الى البلاد للدراسة في جامعاتنا الحكومية والخاصة..وهناك كذلك بلدانا اخرى كثيرة يلجأ اليها الطلبة لدراسة التوجيهي وبدون تحديد لتلك البلدان لأن المسؤولين يعرفون التفاصيل اكثر مني.
هل يريدون دق المسمار الاخير في نعش قطاع التعليم؟! مع ان الحل موجود وذكرناه سابقا خاصة بالنسبة للتربية والتعليم وهوالبدء باستبدال مناهج التدريس ووضع خطة لمدة 12 عاما على الاقل عبر البدء بتطبيق مناهج الدراسة الدولية سواء (Sat أو IG أو IB (حيث اثبتت التجربة الواقعية - ولا نتحدث هنا منظرين - سلامة ونجاح هذه البرامج بالواقع الموجود حاليا في مدارسنا الخاصة من حيث نوعية التعليم وبناء شخصية الطالب حيث يتمتع خريجو هذه البرامج الدولية بسمعة طيبة ومستوى علمي متميز في الجامعات المحلية أو العالمية لذلك نقترح وضع خطة لشمول المدارس الحكومية بتطبيق هذه البرامج بشكل تدريجي ابتداء من الصفوف الابتدائية مع مراعاة تأهيل المدرسين وتحسين أوضاعهم المعيشية... ولنبدأ بالعاصمة عمان ونطبق البرامج الدولية على مائة مدرسة حكومية على سبيل التجربة..ومن ثم توسيع النطاق بعد التأكد من نجاحها..واختيار لجنة متخصصة للاشراف على هذا الموضوع من اصحاب الخبرة في هذه البرامج. ولحين تطبيق هذه التجربة علينا معالجة الوضع المزري في مدارسنا بطريقة علمية مدروسة من حيث الاهتمام بالمعلم أكثر والتركيز على الطالب وتكثيف الرقابة على مدارسنا حتى نستطيع تخريج نوعية جيدة من الطلبة وترك الحرية لهم في الدراسة الجامعية لأنها حق لكل طالب يستحقها.... وأن لا نعمل على اتباع سياسة الترسيب أو تخفيض معدلات التوجيهي لنمنع أبنائنا من الدراسة الجامعية بحجة توجيههم الى التعليم التقني !!.. تلك الكذبة التي ألفها بعض المسؤولين وحاولوا إقناع الناس بأنها قابلة للتطبيق في بلادنا متجاهلين أننا بلد خدماتي ولا نملك الامكانات والمقومات التي تؤهلنا لتطبيق مثل هذا النوع من التعليم.. الذي يمكن أن ينجح في بلدان صناعية أو نفطية نظرا للامكانات المتوفرة ولتوفر فرص العمل فيها لخريجي التعليم التقني بعد الدراسة في المصانع والمنشآت النفطية... الخ. الى جانب ذلك نحن بلد يصدر الكوادر البشرية الى دول الخليج وغيرها وهو ما يحد بشكل كبير من نسبة البطالة بين خريجي الجامعات وخصوصا في التخصصات المطلوبة في سوق العمل العربي. ثم كيف للقائمين على الترويج لهذا التعليم أن يتجاهلوا التجربة الفاشلة لتطبيق التعليم التقني في عدة جامعات منها جامعة البلقاء التطبيقية وجامعة الطفيلة التقنية والجامعة الالمانية الاردنية التي انشأت لهذا الغرض ولكن انتهى بها المطاف الى تدريس المساقات التي تدرس في معظم الجامعات.. غير متناسين بالطبع ان هناك تخصصات تطبيقية وتقنية تدرس في جامعة البلقاء وكلياتها وبعض الجامعات الى جانب المساقات الاخرى. فلماذا نضحك على أنفسنا ونصدق كذبة ان التعليم التقني قابل للتحقق في بلادنا وفق المعطيات القائمة؟!
لم يقف المسؤولون عند شبح التوجيهي والرعب الذي يعيشه الاهالي وابناؤهم خلال الامتحان والنتائج وما بعدها..بل ظهرأيضا شبح جديد وهو محاولة العودة لتطبيق امتحان «المترك «...ويا ليت الامور وقفت عند هذا الحد بل اتحفونا بفكرة جديدة وهي عمل امتحان للطلاب الذين يحملون الثانوية من مدارس بلدان الجوار وبلدان أخرى وكأنهم يريدون عمل وصاية على وزارات التربية والتعليم في تلك البلدان وضبط التعليم والجودة فيها رغم أن خريجي الثانوية عندنا ليسوا بأحسن حال من أقرانهم في تلك البلدان. الى جانب أن ذلك قد يدفع تلك البلدان لمعاملتنا بالمثل!.. كما أن هذا الامر يعمل على حرمان بلدنا وجامعاتنا من الطلاب العرب والاردنيين وغيرهم ممن يحملون شهادات ثانوية غير أردنية.
ان المتعارف عليه في كل دول العالم ومنها اوروبا وامريكا وكل الدول التي لديها جامعات وطنية أن تقوم الجامعات بعمل امتحان قبول للطلاب الذين يحملون شهادة الثانوية من خارج بلدان تلك الجامعات ويتم قبولهم في التخصص الملائم.. فلماذا لا تتركون هذه المهمة للجامعات وفق أسس القبول المقررة من التعليم العالي؟!.. فلماذا نحرم جامعاتنا من استمرار وجودها ونجاحها ونقود الامور الى حدود إغلاق الجامعات الخاصة والبرامج الموازية في الجامعات الحكومية والتي تعتمد في معظمها على الطلبة القادمين للدراسة من الخارج ؟ متناسين الاثر الذي يحدثه هؤلاء الطلبة في تحريك الاقتصاد الوطني سواء لناحية إدخال العملات الاجنبية وكذلك مصاريف معيشتهم واثرها في القطاعات المختلفة أو رسوم دراستهم...الخ..أي ما نسميه السياحة التعليمية التي اشتهر بها الاردن.
الى أين نتجه وأين نسير ؟!.. أسئلة نترك لكل عاقل الاجابة عليها. آملين وضع استراتيجية شاملة للتعليم بشكل عام (التربية والتعليم والتعليم العالي ) تأخذ بالاعتبار مصلحة البلاد والاقتصاد ومصلحة الطلبة والمجتمع.. وكذلك تشجيع الاستثمار الخاص في قطاع التعليم وليس محاربته مستفيدين من تجربة الدول المتقدمة... وليس الرجوع الى الخلف والنوم في حضن الماضي الذي ولى وانتهى..كما أنه لا بد من اختيار مسؤولين يتمتعون بالكفاءة والعقلية المتطورة من فئة الشباب الذي نهل من العلم الحديث.
"الراي"