نقل موقع عمون عن روبرت كاغان أحد مستشاري جون ماكين مرشح الرئاسة الأمريكية ، أن ماكين سيعلن الأردن دولة فلسطينية فور فوز مرشحه البالغ واحدا وسبعين عاما بمنصب الرئاسة الأمريكية،
الكلام ليس جديدا ، وهو يأتي في وقت تحتقن فيه أوداج الكثيرين في عمان حنقا على السياسة الأمريكية التي "تطنطن" بمقولة الوطن البديل ، كحل لمشكلة إسرائيل مع الفلسطينيين ، وليس كحل لقضية فلسطين،
يعود هذا الطرح بين حين وآخر ، وكأن الأردن أرض بلا شعب ، كما ظنوا أن فلسطين كذلك ، وها فلسطين بعد ستين عاما من نكبتها الكبرى ، لم تزل فلسطين ، بشعبها المجاهد ومقاومتها ، وبصواريخ "الخردة" التي تهدد مليون يهودي ، وبإسناد قلبي ووجداني من مليار ونصف المليار مسلم. صحيح أن هذا البحر الهادر من البشر لم يطلق رصاصة على إسرائيل ، لكن فلسطين بالنسبة له دين وعبادة وآيات تتلى ويتعبد بها ، وقدس لا يستقيم أمر الإسلام بلا حرمها الثالث في سلك ترتيب المساجد التي لا تشد الرحال إلا لها،
مشكلتنا ليست مع ماكين ، ولم تكن أيضا مع شارون ، ولا مع بوش. لنتذكر هنا قول كاهن السياسة الأمريكية - اليهودي كيسنجر ، مستشار الأمن القومي لدى نيكسون في العام 1969 ، حينما أعلن أن أحدا من الزعماء العرب - الذين التقاهم في حينه - لم يطالب بإقامة دولة فلسطينية ، كان ثمة رأي عربي آخر بهذا الشأن ينساه كثير من أبناء الجيل الحالي ، أو هو لا يعرفه أصلا ، وما لا يعرفونه أيضا أن حرب 1948 لم تكن حربا بين مليشيا يهودية وسبعة جيوش عربية ، كما يروجون ، بل كانت حربا بين جيش يهودي منظم جدا ومسلح ومدعوم جدا من جيش بريطانيا العظمى ، وبين شراذم من الجيوش والمقاتلين العرب ، غير مسلحة جيدا ، وتفتقد للقيادة الموحدة ، وحتى عددها لم يكن ليرقى إلى عدد القوات اليهودية ، ففي شهر ايار ، دخل الى فلسطين حوالي 28 الف جندي عربي ، في حين كان تعداد القوات اليهودية حوالي 32 الف جندي ، وبعد خمسة شهور وفي ذروة استمرار حرب 1948 ازداد عدد القوات العربية ليصل الى 53 الف جندي ، بينما ارتفع عدد القوات اليهودية الى 95 الف جندي. هذه المعطيات مأخوذة من كتابات البروفيسور "يهوشوع بن ارييه" وكان هو نفسه الضابط الذي كلفه قائد هيئة الأركان موشيه ديان ، في منتصف الخمسينيات بجمع المعطيات عن حرب 1948 ، بعد ان تم تعيينه كرئيس لشعبة التاريخ في الجيش. وقد ذهل "بن ارييه" نفسه عندما وقعت يداه على أعداد القوات العربية في فلسطين،
من أنشأ إسرائيل أولا ، كان الضعف العربي ، ومن رسخها ، كان ولم يزل ، التواطؤ والخذلان ، والفشل في أن نكون أمة ، في مواجهة قطاع طرق ورجال عصابات. كلام ماكين الآن ، يجب أن يعيدنا إلى مربع الصراع الأول ، وليس إلى الاشتباك مع بعضنا البعض: أردني وفلسطيني ، فمن أكل ثور فلسطين الأبيض ، هو نفسه من يحاول أن يأكل ثور الأردن الأسود ، متى نفيق ونكف عن ثنائية: وحداتي وفيصلاوي؟
بقي شيء خارج عن النص كله: مرشح في السبعين من عمره ، يبدأ رحلة قد تنتهي به إلى حكم العالم عبر البيت الأبيض ، لوجه المقارنة فقط ، حين يبلغ أحدنا سن الخمسين ، يبدأ أبناؤه بالقول: يلا حسن الختام ، أنت ختيار شو بدك بهالشغلة ، ماكين السبعيني ، يقول لنا جميعا ان الحياة تبدأ بعد السبعين،