من غير المعقول ولا المقبول أن تبقى بعض قوانين العقوبات على عهدها القديم دون تطوير ولا احترام لكرامات الناس وحقوقهم المدنية، وهنا لا أتحدث عن الجرائم المعروفة بكافة أشكالها والمضبوط أطرافها، بل بقضايا سطحية أو كيدية،ومنها حوادث السير اليوميةالتي يتورط فيها السائق لأشهر، ويتكبد التزامات مالية تزيد عن قيمة دية الميت لو أن المصاب توفي ، ناهيك عن الخلط الغريب العجيب ما بين القضاء المدني والأعراف العشائرية، فكيف انتقلت عدوى العطوة والجاهة الى المدينة وتدخلت في قضايا يومية كالسير والمشاجرات حتى وصلت الى الجهاز الأمني كما شهدنا سابقا.
لا شك أن للناس حقوقا مادية ومعنوية وأدبية، ولكننا اليوم ندخل في العام الخامس والتسعين من عمر الدولة الأردنية ونشأة الحكومات والدستور والقضاء ، وعندما تعارفت الحكومات السابقة في عهد الإمارة على تطبيق نظام القضاء العشائري ، كان ذلك بعد إقرار قانون الإشراف على البدو رقم واحد عام 1929 حيث لم يزل آنذاك بعض القبائل والعشائر غير خاضعة لسلطة الدولة والقانون المدني، بل يحكمها قانون نظري عرفي نسبة الى الأعراف، حتى ألغيت محكمة العشائر عام 1976 ، ولكن بقي القضاء يعتمد على ما يسمى صك الصلح، والمفارقة أن القاضي والكاتب يستخدمان اللغة الإلكترونية في الطباعة والمراسلات ، ولكن القوانين الصفراء لا زالت تتحكم بمصائر الناس.
لقد ازدادت شكاوى المواطنين من ازدواجية التقاضي، ففي الوقت الذي يقع حادث سير بين مركبتين بلا قصد ولا سابق معرفة، يتم التحفظ على السائق غير المصاب حتى لو كان الخطأ على المصاب، ولا يتم إحالة القضية للمحكمة حتى خروج المصاب من المستشفى، ثم في المحكمة ينتظر القاضي حتى يتحصل المصاب على تقرير الطبيب الشرعي ، والى أن تنتهي هذه الأحبال والحبائل، يكون الطرف الثاني قد تعطلّ بما يكفي، ودفع للمستشفى مبالغ قد لا يمتلكها، وحتى التأمين قد لا يعترف بقيمها، فيما السائق المسكين وأهله قد أكل الشوك من يديهم وظهورهم.
وليست قضايا السير وحدها،بل إن كثيرا من المواطنين الأبرياء يشكون منذ سنوات عما يصفونه بالغبّن الواقع عليهم من أشخاص ليس لديهم أي أخلاق أو ضمير، والقضية أيضا لا تتعلق بعمليات النصب والاحتيال التي يتفنن البعض فيها فحسب، بل بوقوعهم ضحايا لشكاوى أشخاص لم يرونهم ولا يعرفونهم إطلاقا، ويتفاجأون بتبليغهم مراجعة المراكز الأمنية للنظر في بلاغات مقدمة ضدهم أو على سياراتهم أوشكاوىكاذبةبدعوىالدهس أوالصدم والفرار، لتبدأ رحلة العذاب ابتداء من التوقيف حتى الوصول للمحكمة، و أحيانا يضطر المواطن الطيب لعقد صفقة مصالحة مع مدع كاذب فيدفع مالا مقابل خلاصه و حتى لا يبقى رهين المحبسين، نظارة الشرطة وقاعات المحكمة.
المشكلة هنا أن التوقيف المباشر في المراكز بناء على قوانين عفا عليها الزمن، يجب النظر فيها وتغييرها لتواكب تطور الحياة وانكشاف سرائر الناس، تماما كما يجب تطوير القوانين الرادعة للصوص والفاسدين والمتحايلين على القانون وتجار المخدرات والأشخاص الخطرين الذين يهددون حياة وسلامة الناس في الشارع، حتى أصبح للزعران و طوافي الليل زعامات، لا تتمكن منهم يد العدالة، ما يدفع رجال الأمن أحيانا لغض النظر عنهم.
لا أريد اليوم أن أحصي عدد التغييرات التي طرأت على كثير من القوانين ومنها قانون الانتخاب عبر السنين الماضية، ولكن يجب أن يتم البدء بإجراءات لتغيير بعض نصوص قوانين العقوبات، التي تحمي المواطنين من كيد واستهتار ولصوصية البعض أيضا، فلا يجب أن يتم توقيف سائق ذكرا كان أو أنثى لمجرد ارتكابه حادث سير عادي أصيب فيه آخر، فالمحكمة موجودة ولا يضيع حق لأحد حتى صدور الحكم النهائي.
وبمناسبة الحديث هناك من يشتكي لتعرضه للابتزاز من نساء يفاجئن السائق خصوصا كبار السن وهو متوقف على جانب الشارع ، فإما أن يدفع مبلغا لهن أو تصرخ وتشتكي عليه، ولو فعلت لذهب الرجل يجرجر فضائحه، وتفوز هي حتى لو كانت تحمل قيودا أمنية تشهد على انحطاطها، ولكن عدم ثقة الناس بإنصافهم يجبرهم على دفع الخاوات وهم صاغرون، فهل نغير القوانين لصالح المواطن كما نغير قانون الضريبة والرسوم والمحروقات والجرائم الإلكترونية.
Royal430@hotmail.com