الحملة على السعودية والعودة إلى أجواء 11 سبتمبر: رؤية أردنية
د. محمد بني سلامة
16-06-2008 03:00 AM
بعد مرور ما يقارب 7 سنوات على هجمات 11 سبتمبر عام 2001 ما تزال المملكة العربية السعودية تعاني من حملة محمومة على المستوى الفكري والثقافي والسياسي. هذه الحملة المناوئة للسعودية تنطلق من حجج ومزاعم متعددة منها ما يتعلق بالمذهب الوهابي واعتباره مسؤول عن العنف والتطرف والكراهية لا بل يقف عائق أمام انفتاح وتقدم المجتمع السعودي، وأحياناً مناهج التربية والتعليم في السعودية ولا سيما أنها لا تزال تعتبر الجهاد ركن أساسي من أركان الإسلام، وأحياناً يلعب ارتفاع أسعار النفط دوراً في توتر العلاقات السعودية – الغربية ولا سيما مع الولايات المتحدة الأمريكية.
الحملة على السعودية جزء من الحملة على الإسلام
الحقيقة أن الحملة على السعودية هي جزء من الحملة الكبرى على العرب والمسلمين والتي بدأت منذ قرون وفي هذا الصدد يقول المفكر العربي ألبرت حوراني: "إن الدين الإسلامي شكّل منذ ظهوره خطراً على أوروبا المسيحية، فالمسيحيين الذين نظروا إلى الإسلام بمزيج من الخوف والحيرة لم يكن بمقدورهم التسليم بمحمد كنبي حقيقي ولا القبول بصدق الوحي الذي نزل عليه". ويشير حوراني إلى "أن الاعتقاد السائد بين المسيحيين في ذلك الوقت كان أن الإسلام دين مزيف وأن الله ليس الرب وأن محمد ليس نبياً وأن الإسلام انتشر بين الناس بقوة السيف".
وإذا كانت الحملة الصليبية قد انطلقت من أوروبا باتجاه الشرق بينما وقفت جيوش المسلمين على أبواب فيينا فإن هذا الصدام بين العالم الإسلامي والعالم الغربي قد خلّف إرثاً مريراً وذكريات مؤلمة لكلا الطرفين. وهكذا نجد أن تراث العداء بين الشرق والغرب لا يزال يشكّل في كثير من الأحيان اتجاهات ومواقف كل من الطرفين تجاه الآخر. وهكذا فإننا لا نبالغ إذا قلنا أن الكثير من المواقف والتصريحات الغربية تجاه العالم الإسلامي لا تزال تحكمها عقيلة الحروب الصليبية بدأ من قضية فلسطين مروراً برفض الاتحاد الأوروبي عضوية تركياً باعتباره نادي للدول المسيحية وانتهاء بنشر الصحف الدنماركية صوراً مسيئةً للرسول وتصريحات البابا بنديكتوس السادس عشر باتهام الإسلام بالعنف وأخيراً ما ورد على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش حول الحروب الصليبية والفاشية الإسلامية.
وبعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001 أخذت الحملة على الإسلام بشكل عام والسعودية بشكل خاص أبعاداً جديدة ومستويات غير مسبوقة إذ أنه منذ ذلك التاريخ فأن الحملة المحمومة لم تتوقف ووصلت إلى سب المسلمين صراحة واعتبار القرآن الكريم كتاب للكراهية ووثيقة للعبودية والعنف لا بل انطلقت دعوات تطالب بترحيل المسلمين من الولايات المتحدة الأمريكية أو إجبارهم بالقوة على التحول للنصرانية. وكان من أبرز النتائج التي ترتبت على هذه الحملة العنصرية أن ازدادت كراهية المجتمع الأمريكي للعرب والمسلمين وارتفاع نسبة جرائم الكراهية ضدهم، ففي استطلاع للرأي أعده مركز جالوب الأمريكي لقياس توجهات الرأي العام أظهر أن 39% من الأمريكيين يفضلون أن يحمل مسلمي أمريكا البالغ عددهم ما يقارب 7 مليون بطاقات هوية خاصة بهم بينما قال 25% أنهم لا يريدون أن يسكن مسلمين بجوارهم.
من يقف وراء الحملة على السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية؟
لا شك أن أحداث 11 سبتمبر عام 2001 قد شكلت نقطة تحول بارزة في تاريخ العلاقات الأمريكية السعودية نتج عنها توتر في العلاقات بين الدولتين بالرغم من عمق هذه العلاقات التي تعود إلى الثلاثينات من القرن الماضي وكذلك المصالح الإستراتيجية المشتركة ولا سيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التحالف الإستراتيجي بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في زمن الحرب الباردة والصراع الذي دار بين الإسلاميين وعلى رأسهم السعودية والحركة القومية العربية وعلى رأسها الزعيم المصري عبد الناصر حيث انحازت الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة المعسكر الغربي إلى جانب السعودية والإسلاميين ولا سيما أنها رأت في الإسلام حصن منيع أمام تقدم أو تغلغل الفكر الشيوعي.
هذا الترابط والعمق في العلاقات التاريخية والإستراتيجية التي تربط كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية اهتز وتعرضت العلاقات لنكسة أو أزمة نتيجة ضغط عدد من المؤسسات التي يديرها عدد من الساسة والإعلاميين والأكاديميين الذين وجدوا في أحداث 11 سبتمبر فرصة مواتية لتأزيم العلاقات السعودية الأمريكية وتحقيق أجندة خفية وأبرز هذه المؤسسات:
أ- مؤسسات اليمين الأمريكي.
ب-المحافظين الجدد.
ج- أصدقاء إسرائيل.
ويعمل في هذه المؤسسات أعضاء في الكونغرس وأكاديميين وإعلاميين ورجال دين من أبرزهم مارك ستيفن، فرانك جافني، دانييل بايبس، ريك سانثورم، روبرت سبنسر، دينيس براجر، رود بارسلي، ولفوتز، سوميرك وديفيد هوروتيز وغيرهم.
ومن أبرز الجهود التي بذلها أعضاء هذه المؤسسات العمل بشكل منظم على دمغ الإسلام كله بالإرهاب وربط السعودية على نحو غير منصف بالكراهية والعنصرية والقمع. وفي هذا السياق فقد شكلت النائبة سوميرك التي تمثل الحزب الجمهوري من ولاية نورث كارولينا ما سمي بتكتل الكونجرس ضد الجهاد والذي وصل عدد أعضائه إلى 120 عضو من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وكانت سوميرك تستهدف من التكتل المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص حيث تبنت مشروع ما يشبه قانون محاسبة السعودية كان من أبرز ما جاء فيه إلغاء كافة أشكال التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والسعودية وإلغاء تأشيرات الدراسة للطلبة السعوديين ومنعهم من القدوم إلى الولايات المتحدة الأمريكية حتى تقوم السعودية بإصلاح مناهج التعليم.
وفي إطار الحملة على الإسلام سعى ديفيد هوروتيز مع المفكر الصهيوني المتشدد فرانك جافني إلى إشراك الجامعات والمعاهد الأمريكية في الحرب على الإسلام وذلك بحشد أكثر من 200 جامعة وكلية أمريكية في حملة دعائية تحت عنوان الفاشية الإسلامية حيث تم تخصيص أسبوع في هذه الجامعات والكليات للتوعية بما سمي الفاشية الإسلامية باعتبارها أكبر خطر يواجه الأمريكيين على الإطلاق.
وفي ظل هذه الأجواء المعادية للإسلام والمسلمين طرح المفكر الأمريكي صموئيل هنتنغتون وجهة نظره مجرداً حول صدام أو صراع الحضارات باعتبار أن ما جرى في 11 سبتمبر عام 2001 يعطى مصداقية لنظريته. وباختصار جاءت أحداث 11 سبتمبر مناسبة جديدة لاستهداف الإسلام والسعودية سواء تحت حجة التطرف والغلو والتعصب أو مكافحة الإرهاب وانتقلت الحملة ضد الإسلام والعرب من الولايات المتحدة الأمريكية إلى كافة الدول الأوروبية.
الموقف السعودي
لما كانت المملكة العربية السعودية قد حباها الله بنعمة النفط فقد حباها أيضاً بقيادة حكيمة لصيانة هذه النعمة قادرة على مواجهة الأزمات والتقلبات والظروف المتغيرة وهكذا استطاعت القيادة السعودية أن تواجه هذه الحملة الشرسة واحتواء الأزمة دون المساومة على ثوابت الدولة السعودية والتي تأتي على رأسها العقيدة الإسلامية ذلك أن الدين الإسلامي هو الأساس الذي يقوم عليه الفكر الأساسي للدولة السعودية ودون تعريض أمن واستقرار ومصالح السعودية لأية أخطار أو مجازفات غير محسوبة، فعلى الصعيد الخارجي نجحت الدبلوماسية السعودية في إيصال رسالة واضحة للغرب والولايات المتحدة مفادها أن مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه والقضاء على بؤرة ومصادر تمويله لا يكون باستخدام القوة العسكرية وإنما بنشر العدالة والسلام والأمن وإنهاء الاحتلال، وتتويجاً لهذه الحملة أطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز المبادرة العربية للسلام عام 2002 والتي تقوم على معادلة الأرض مقابل السلام. وتعزيزاً لهذه الجهود فقد رعى الملك عبد الله بن عبد العزيز حوار الأديان والتقريب بين الفرق والمذاهب ليؤكد أن الإسلام هو دين التسامح والتعايش والتنوع والاختلاف وأن بعض التيارات المتطرفة والتي تحمل راية الإسلام لا تمثل الإسلام فليس كل العرب والمسلمين إرهابيين ومتطرفين يكرهون الغرب، كما أن الغرب ليس كله احتلال وعدوان واستكبار وأن فيه الكثير من القيم الثقافية والإنسانية وبالتالي فإن الحوار سواء على مستوى النخب الحاكمة أو النخب الفكرية والثقافية هو السبيل الأمثل لتخفيف الصراع والصدام ومن ثم التعايش والتعاون.
أما على الصعيد الداخلي فقد قامت السعودية بإعادة صياغة مناهج التعليم وأكدت في الكتب المدرسية على قيم الإسلام وتعاليمه السمحة التي عمادها المحبة والتسامح والرحمة والحوار والتعاون والتعايش مع الآخر المختلف ونبذ الغلو والعنف والتطرف والتكفير. وكما ذكر سابقاً لما كان الإسلام يشكل المركز وكافة مناهج التعليم السعودية تتكئ على أفكار دينية إسلامية فإن الإصلاحات الجذرية التي تعرضت لها مناهج التعليم لم تخرج عن مبادئ الإسلام إذ أنها وضعت بالأساس وبقيت بعد الإصلاح أو التحديث وفق الكتاب والسنة والعقيدة تؤكد مبادئ الإسلام الحق وعلى رأسها التوحيد واتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والابتعاد عن البدع والشرك والربا والرشوة والنهي عن الظلم والعدوان واحترام العهود والمواثيق والعقائد الأخرى. ومن هنا فإن لا يضير السعودية أن مناهجها الدراسية تحرم الربا والزنا والشذوذ الجنسي وتراجع الحياة الروحية لحساب الحياة المادية والإغراق في التركيز على الفرد وحرياته واقتصاد السوق وغيرها من الأفكار الليبرالية الغربية أو الرأسمالية المتوحشة. وباختصار فإن السعودية تحدّث باستمرار مناهجها لتأهيل الشباب السعودي بما يتلاءم وروح العصر لمواجهة تحديات المستقبل دون المساس بمبادئ العقيدة الإسلامية.
كما قامت السعودية بخطوات عملية على صعيد الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والانفتاح السياسي حيث شهدت السعودية انتخابات بلدية حرة نزيهة ويسود فيها أجواء حرية الرأي والتعبير والحوار حول هذه المسائل ومن يتابع وسائل الإعلام السعودية من تلفزيون وإذاعة وصحف ومجلات ومواقع إلكترونية وغيرها يلحظ الكثير من الكتابات والمقالات والحوارات حول الديمقراطية والمشاركة السياسية وهنا لا بد من الإشارة إلى أن عملية التحول الديمقراطي أو انتقال مجتمع من مرحلة إلى أخرى أو من التقليد والمحافظة إلى الحداثة عملية دقيقة تحتاج إلى حرص ويقظة من أجل الحفاظ على الاستقرار وهي أيضاً عملية بطيئة لا يمكن أن تتم بين عشية وضحاها، وبالمجمل نستطيع القول أن الخطوات التي خطتها السعودية في هذا الاتجاه هي خطوات رائدة ومثمرة وقابلة لمزيد من التقدم والتطور في المستقبل المتطور.
عودة أجواء 11 سبتمبر
بالرغم من السياسة العقلانية الحكيمة التي انتهجتها السعودية أمام الحملة الغربية المعادية والتي كان من المتأمل أن تسهم في طي صفحة أحداث 11 سبتمبر وتجاوز عقدة الإسلاموفوبيا، إلا أن الموقف المناوئ للإسلام والعرب والسعودية قد أدى إلى عودة أجواء 11 سبتمبر من جديد، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الزعماء السياسيين الغربيين بدأ من رئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني وادعاءاته بالتفوق في إطار المفاضلة بين الإسلام والمسيحية وانتهاءً بتصريحات الرئيس الأمريكي جورج بوش وتقسيمه العالم إلى أخيار وأشرار، كل هذه المواقف أسهمت في عودة أجواء 11 سبتمبر وتزايد الكراهية ضد العرب والمسلمين بشكل عام والسعودية بشكل خاص ولا سيما أن الحملة العنصرية ضد السعودية قد وصلت إلى مستويات عالية جداً.
فعلى سبيل المثال جاءت آخر الانتقادات التي وجهتها الإدارة الأمريكية للسعودية في خطاب الرئيس بوش في الشهر الماضي في المنتدى الاقتصادي العالمي في شرم الشيخ حيث زعم أن السعودية تنتهك حقوق الإنسان وتضطهد المعارضة السياسية، وكأن ربيع الديمقراطية ونعيم الحرية الذي بشر فيه الرئيس الأمريكي بعد احتلاله للعراق يخوله انتقاد السعودية، وحالة حقوق الإنسان فيها.
إن مواقف وتصريحات الرئيس الأمريكي جورج بوش يرافقها نزعة عدائية للإسلام والمسلمين على لسان مسؤولين ومفكرين ورجال دين أمريكيين فعلى سبيل المثال دعا القس الأمريكي رود بارسلي الذي يعتبر المرشد الروحي إلى المرشح الجمهوري جون ماكين دعا يارسكي إلى تدمير الإسلام باعتباره دين مزيف وقد وصف الإسلام بأنه العدو الأكبر للحضارة الغربية والعالم.
وقبل أيام قليلة دعت اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية وزارة الخارجية الأمريكية إلى إغلاق مدرسة سعودية في ولاية فرجينيا وإلزامها بتغيير مناهجها الدراسية حيث تزعم اللجنة أن المناهج السعودية تروّج التعصب والعنف المبني على الدين ولما كانت اللجنة مرتبطة باليمين الديني الأمريكي فقد انضم عدد من أعضاء الكونجرس المعروفين بمواقفهم العدائية للعرب والمسلمين إلى اللجنة بانتقاد السعودية.
وحتى هذا الوقت لا تزال الحملة على السعودية مستمرة ولا زال الطلبة السعوديين يتعرضون لمعاملة سيئة في الجامعات الأمريكية إضافة إلى صعوبة حصولهم على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة عند حصولهم على قبول للدراسة في تلك الجامعات، ولعل السؤال المطروح الآن هو ما العمل وهل هناك ثمة أمل بوقف هذه الحملة المحمومة على العرب والمسلمين بشكل عام والسعودية بشكل خاص؟
ما العمل؟ المطلوب سعودياً وعربياً وإسلامياً!
بداية لا بد من أن يطمئن الجميع أن المملكة العربية السعودية تملك الكثير من الأوراق الرابحة التي يمكن استخدمها في سبيل الدفاع عن حقوقها ومصالحها الاستراتيجية كما أن البدائل أمام الطلبة السعوديين متعددة سواء بالالتحاق إلى الجامعات العربية أو المتقدمة في مجال التعليم مثل الأردن والمغرب ومصر وغيرها أو جامعات الدول الإسلامية مثل تركيا وماليزيا والباكستان أو حتى الجامعات الأوروبية لما كانت السعودية حاملة لواء الإسلام فإن الدفاع عنها هو دفاع عن مبادئ الإسلام وذلك تجسيداً لمبادئ الأخوة الإسلامية ومنطق التعاضد والتكافل ولا سيما أن المسلمون كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضاً، ولذا فإن الدفاع عن السعودية ومبادئ الإسلام هي واجب ومسؤولية الجميع من رجال دولة وسياسيين ومفكرين ومثقفين وإعلاميين أردنيين وعرب ومسلمين إذ لا بد من مواجهة حملات التضليل والتشويش والكراهية بتبيان الحقائق وكشف المستور فعلى سبيل المثال فإن الغرب الذي يتشدق بحقوق الإنسان تحول بعد أحداث 11 سبتمبر إلى ما يشبه دول العالم الثالث نتيجة تراجع الحريات وسيادة الخطاب الأمني وأصبحت الكثير من الدول الغربية أقرب إلى نظام الطوارئ أو الأحكام العرفية السائدة في دول العالم الثالث، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي ومنه السعودية هي حسب تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش أكبر سجان في العالم حيث تعتقل اليوم وراء القضبان ما يقارب 2.5 مليون شخص وهذا الرقم يفوق عدد المعتقلين في دول يصل عدد سكانها إلى مليار نسمة في الوقت الذي يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية بحدود 296 مليون نسمة.
كما يجب أن لا نغفل حقيقة أن ردود الأفعال الأمريكية على أحداث 11 سبتمبر قد أصابت حقوق الإنسان في العالم بشكل عام وفي الوطن العربي بشكل خاص بانتكاسة كبرى وقد أدت إلى احتلال بلدين مسلمين؛ أفغانستان والعراق، وفي ظل الاحتلال تقع أسوأ انتهاكات حقق الإنسان، وقد كشفت الأعوام الماضية جزء من ممارسات الاحتلال مثل التعذيب المنهجي في سجن أبو غريب والإبادة الجماعية في الفلوجة والنجف والرمادي وسامراء والموصل والبصرة والديوانية ومدينة الصدر وغيرها؛ دون أن يغيب عن البال معتقل جوانتانامو والسجون السرية الطائرة في أوروبا.
أما على صعيد ارتفاع أسعار النفط فإن تزايد الطلب على استهلاك النفط ومن ثم ارتفاع أسعاره فإن هذه ليست مسؤولية السعودية وحدها، فبالرغم من أن السعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم إذ أنها تنتج ما يقارب 10 مليون برميل يومياً إلا أنها ليس بوسعها منفردة أن تعمل على ضبط أو تحديد الأسعار، ولا سيما في ظل تراجع إنتاج دول نفطية كبرى مثل العراق وإيران، وكثرة المضاربات على النفط إضافة إلى انخفاض قيمة الدولار. إن السعودية تقوم بزيادة إنتاجها كلما حصلت أزمة من أجل تطمين السوق العالمي والحفاظ على استقرار أسواق النفط وهذا ما فعلته أثناء الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003.
رسالة عمان نقطة ارتكاز هامة في مواجهة الحملة
ترتبط كل من المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية بعلاقات أخوية وتاريخية عميقة ولا سيما أن للمملكتين قيادتين حكيمتين ذلك أن من ينظر في أحوال الأمم والشعوب من بيت حانون إلى بيروت أو بغداد أو كراتشي، وما آلت إليه أحوال الناس في ظل الحروب والكوارث والفقر والقمع والفساد والاستبداد وغيرها من الأوضاع المأساوية التي تطغى على حياة الناس، من ينظر بوعي إلى الأوضاع السيئة التي يعيش الكثير من أبناء هذه الأمة يدرك عظمة الهاشميين وآل سعود في الحفاظ على الأوطان وإشاعة الأمن والاستقرار والسلام وتحقيق التقدم والرخاء والازدهار وذلك في وسط بيئة إقليمية مضطربة تعاني باستمرار من عدم الاستقرار والحروب والاحتلال والكوارث والنكبات.
إن أمن واستقرار الشقيقتين المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية لا يتجزأ وإن الواقع المتميز الذي تعيشه المملكتان هو بلا شك ثمرة ناتجة عن فلسفة الهاشميين وآل سعود في حكم البلاد وتصريف شؤون العباد، فلسفة عربية اللسان إسلامية الأصل إنسانية الغاية قوامها التسامح والوسطية والاعتدال والحوار وقبول الآخر بعيداً عن العنف والتطرف.
ومن هنا فقد جاءت رسالة عمان جزء من الجهد الأردني في التضامن مع السعودية والدفاع عن الإسلام تلك الرسالة التي انطلقت في رمضان المبارك من الرحاب المباركة في الأردن برعاية مباركة من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
فقد كان جلالته يلحظ في حله وترحاله وزياراته لعواصم شتى دول العالم ولا سيما في القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية الحاجة الملحة لبيان الصورة الحقيقية للإسلام في المجتمع المعاصر في ظل الهجمة الشرسة التي تحاول تشويه هذا الدين، فكان لا بد من التصدي لهذه الحملة الشرسة وإظهار الصورة الحقيقية للدين الإسلامي، دين الوسطية والرحمة والتسامح والاعتدال، والذي يسعى إلى سعادة الإنسان وتحقيق مصالحه في الدنيا والآخرة، وهكذا جاءت رسالة عمان.
وبالرغم من تبني قمة مكة الإسلامية لرسالة عمان إلا أن نشرها وتسويقها لبيان صورة الإسلام الحقيقية لا زال يتطلب جهوداً كثيفة ولا سيما بعد أن تم ترجمة الرسالة إلى لغات عالمية، وهذا يتطلب مزيد من التعاون والتنسيق بين عمان والرياض وغيرهما من البلاد الإسلامية.
وفي إطار الجهود العربية المبذولة لتحقيق الأمن والسلام والتنمية والاستقرار ومن ثم زرع الأمل والثقة في النفوس بدلاً من سيادة أجواء الخوف والإحباط ومن ثم التطرف والإرهاب وتأكيداً على مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز جاء خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني أمام الكونغرس الأمريكي حيث دعا جلالته لسلم عادل دون إرث من الكراهية وعندما تحدث جلالة الملك في ذلك الخطاب التاريخي فقد تحدث باسم كل العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ولا سيما أن جلالته كان قد قام قبل الخطاب بجهد دبلوماسي مكثف تمثل في اللقاءات والاتصالات مع قادة وزعماء الدول العربية وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وفي الختام نقول أن الدفاع عن السعودية هو دفاع عن الأردن والأمة مثلما أن أمن واستقرار الأردن أمن واستقرار للسعودية وأن استعراض مواقف ورؤى وتاريخ العلاقات الأردنية-السعودية يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن الهاشميين وآل سعود قد سعوا دوماً من أجل نصرة الإسلام والمسلمين وتوحيد الكلمة وتنسيق الجهد في سبيل الحفاظ على المصالح المشتركة فنحن أمة واحدة في مشارق الأرض ومغاربها نواجه أخطار واحدة لا سبيل إلى ردها إلا بالتضامن الصادق وتقارب الصف وتلاقي الكلمة، الملك عبد الله بن عبد العزيز قريب من الأردن وقريب من قلوبنا نحن في هذا البلد الصامد المرابط قابضين على جمر المبادئ لا نساوم على الحقوق أو المبادئ، فيا أيها الملك العظيم والأخ والصديق الوفي قدمت للأردن الكثير الكثير ففعلت ما تمليه مبادئ الأخوة الإسلامية والنخوة العربية فأرضيت قناعتك وضميرك وانتزعت رضا الله والناس، نعتز بعلاقاتنا مع السعودية وندعو الله أن يرعى المملكة بعين عنايته ويمنحها التوفيق ويجنبها كل مكروه، وأن يحفظ الأردن وقيادته الهاشمية الفذة وشعبه العروبي الأصيل.