يديرون استثمارات بالملايين ونفوذهم يفوق الحكومات...
شكّل غياب الولاية العامة للحكومات في السنوات الاخيرة, وتراجع الدور الرقابي للسلطة التشريعية واجهزة الدولة الاخرى بيئة خصبة تحولت فيها مؤسسات رسمية الى مقاطعات مستقلة او »مزارع« لرؤسائها على حد وصف رئيس وزراء اسبق.
ووفرت الطفرة العقارية في الاردن عموماً وفي عمان بشكل خاص المناخ لولادة مشاريع كبرى تعتمد في الاساس على استثمار اراضي الدولة بعد بيعها لرجال اعمال محليين وعرباً.
لم يكن هذا التطور بحد ذاته امراً سيئاً, وان اختلفت الآراء حوله. المشكلة ان بعض القائمين على تلك المشاريع والشركات, وبحجة تسهيل الاجراءات وتجاوز العقبات البيروقراطية استغلوا مواقعم للانفراد بالقرارات في غياب كامل لكل اشكال المساءلة والشفافية.
ومع مرور الوقت نشأت شبكات ترتبط بمصالح تدير دفة الامور بما يخدم مصالحها. وصار لدينا ما يمكن وصفه بعالم سري تختبئ رموزه خلف بريق اليافطات الساحرة التي ترسم ملامح معمارية شاذة ومنفرة لمدينة تنقسم بين عالم للاثرياء واخر للفقراء.
في غياب الرقابة يصبح المسؤول بلا مرجعية رسمية الا من اولئك الذين يرتبط معهم بالمصالح يتوسع في المشاريع كيفما شاء ويعقد الصفقات, يستقبل »ايفانكا ترامب« سيدة الاعمال الامريكية ويفاوض على اقامة مشروع في خياله رغم انف الحكومة, ويعيد لرجل اعمال خرج من اللعبة حضوره المريب في عالم الصفقات السرية.
مؤسسات عامة باتت اليوم تدار من شركات, علاقات عامة اجنبية ومكاتب استشارية وقانونية لمسؤولين حكوميين. الخرائط والمخططات يضعها ثلة من الخبراء الاجانب مقابل مبالغ مهولة. واذا رغبت باقامة مشروع »دسم« عليك باقارب المسؤول او زوجته مثلاً حيث لا تفلت معاملة استثمارية من بين يديها.
اي مؤسسية تلك التي تعطي الحق لشخص كان مجرد مقاول بناء متواضع ان يتحكم بمشاريع تمتد على طول المملكة, ويتصرف باراضي الخزينة واملاك الدولة في اي موقع شاء, ويوقع الاتفاقيات مع جهات خارجية, وكأنه حكومة مستقلة. يؤسس الشركات لاقارب ومحاسيب تعمل لمصلحته مستغلاً صلاحيات موقعه المطلقة.
يقال ان الحكومة - اي حكومة - عاجزة امام نفوذهم يدّعون انهم مدعومون وايديهم تطال كل ما يتمنونه. قوتهم ونفوذهم يفوقان الوزراء وتحالفاتهم مع رجال المال العرب والاجانب تمنحهم سطوة وهيمنة تجعلانهم فوق المساءلة والمحاسبة.
ملامح الثراء بادية في سجلات الاراضي وسوق الاسهم والمنازل الفخمة في ضواحي لندن حيث قدر ثمن واحد منها بعشرة ملايين جنيه استرليني.
نفوذ بعضهم امتد لخارج »مزارعهم« واصبحوا مفوضين لادارة صفقات اكثر حساسية وخطورة.
يراجع النواب في لجنتهم المالية منذ اسابيع موازنات المؤسسات المستقلة التي فرخت في الاردن في السنوات الاخيرة حتى وصل عددها اثنتين وخمسين مؤسسة, فهل تطال رقابتهم مؤسسات اخرى تتصرف وكأنها مستقلة عن الدولة
العرب اليوم.