قصف المدنيين بين الإشاعة والحقيقة
د.حسام العتوم
10-12-2015 04:08 PM
منذ اندلاع الربيع العربي 2010/2011 من تونس محمد البوعزيزي وتحركه بسرعة النار اتجاه ليبيا ومصر وسورية واليمن وقبل ذلك عندما انطلقت شرارته في بغداد عام 2003 رغم عدم اتفاقنا على مدخلات ومخرجات ما جرى ولا زال في العراق من أحداث دموية مؤسفة ومن تداخل سياسي غربي وإيراني مدروس مسبقاً، وهو الذي استهدف الديكتاتورية والفساد ونادى بالإصلاح، ومنذ أن انشطر لاحقاً إلى إرهاب متعدد الفصائل بعدما ركبته موجة الاستخبار والاستعمار الدولي وقضية استهداف المدنيين العرب ماثلة وتتناقلها وسائل الإعلام العالمية بالصورة والحركة وفقاً لمصالح الدول المحركة له من تحت الرماد وفي العتمة ومن خلف ستائر الاستديوهات والهيجان الإعلامي دائر وسط الحرب الباردة التي كانت علنية إبان السوفييت وسرية بعد انهيارهم رغم انفراجها مؤخراً وتخلصها من شوائب كثيرة، وإدارة العالم من وسط القطب الواحد لم تصمد طويلاً امام تحرك عالم الأقطاب المتعددة المتوازنة، ولاحظنا مؤخراً في مؤتمر (يالطا) لقمة العشرين هذا العام 2015 كيف بدأت أمريكا نفسها تتغير مثلاً بعدما وجدت أن روسيا لا تمانع من مصافحتها والحوار معها ليس على مستوى وزيري الخارجية لافروف وكيري وإنما الارتفاع إلى سقف الرئيسين بوتين وأوباما وهو ما كنت كمراقب إعلامي شرق أوسطي أدعو له دائماً في كتاباتي لما فيه كل الخير للسلم العالمي.
وفي كل دول الربيع العربي الساخنة سابقة الذكر كانت الحرب الباردة الجديدة التي نتمنى لها أن تزول يوماً تلعب دوراً اساسياً في الحرب الإعلامية التي وجهت ولا زالت لتصنيف المعتدي من الدول العربية المحلية التي طالتها نيران الربيع وسيناريو الإرهاب وغيرها بعد ذلك على المواطنين المسالمين وتلك الغازية من الخارج من دون إذن رسمية من الأنظمة أو حتى من شعوبها المتضررة، أو القادمة من خارج الحدود بأكثر من تفويض ومثلي هنا دول (الناتو) من جانب التي عادة تتحرك من خارج أسواق مجلس الأمن والأمم المتحدة، وروسيا الملتزمة بالقانون الدولي عبر مجلس الأمن وبرلمان وأعيان بلادها بعد أخذ الإذن من النظام السياسي الداعي لها أولاً.
وفي كل حراك للربيع العربي كنا نلحظ تطاولاً عى حياة بسطاء الناس وسطنا نحن العرب، فبعد هدم نظام بغداد من قبل حلف الناتو بقيادة امريكا وبالتعاون مع إيران والمعارضة العراقية الطائفية التي سبق لرموزها أن هاجروا إلى لندن تم حل الجيش العراقي بكامل فرقه العسكرية العملاقة بعد محاصرته في وقت سابق ومنع وصول السلاح الجديد إليه وترك منتسبيه من دون رواتب شهرية وتقاعدية وأصبحوا لقمة سهلة في فم الإرهاب الذي انشطر عن تنظيم (القاعدة) بعد رحيله من أفغانستان وممارسته التدمير والخراب هناك، وهو الذي أسس وهابياً واستخباراتياً من قبل الغرب أصلاً لإخراج السوفييت قسراً عام 1979 في ذروة الحرب الباردة العلنية، فتواصل قتل المدنيين الأبرياء بأيدي متشابكة إيرانية وطائفية عراقية وإرهابية مباشرة فاقت المليون والحبل على الجرار، وتم بعدها تصدير الإرهاب وتلوين مسمياته إلى (داعش)، و(النصرة)، و(جيش الإسلام)، و(خرسان الوهمي) وغيرهم باتجاه الأراضي السورية من عدة بوابات أهمها العراقية والتركية، والمعروف هنا بأن حسابات دمشق السياسة وسط ربيعه الذي تقدم فيها الأمن في حلوله لمسألة الاحتجاج الشعبي في (درعا) و(سوق الحميدية) شكلت مدخلاً جديداً وقوياً (للجهاد الإرهابي الأيديولوجي والارتزاقي) إن صح التعبير، وهو الذي سرعان ما تحول إلى عمل نازي باحتراف أودى بحياة آلاف المواطنين أي حوالي (300) ألف، وهجّر غيرهم بحجم (11) مليون إنسان، والصراع الدائر هناك على السلطة من طرف الإرهاب تحديداً لم يتوقف بعد.
ويقول حسن أبوهنية ود.محمد أبورمان في كتابهم (تنظيم الدولة الإسلامية: ص112/113): (لقد تزامن الانسحاب الأمريكي من العراق مع حدثين مهمين، تمثل الحدث الأول – بانطلاق موجة الاحتجاج الثوري في العالم العربي المطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية والكرامة، بدءاً من تونس نهاية عام 2010، ثم مصر وليبيا واليمن، ودخول سوريا منتصف آذار/مارس 2011) أفاق التغيير، ووصل فعاليات الاحتجاج إلى العراق أواخر 2012، أما الحدث الثاني – فتمثل بمقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة المركزي في الثاني من أيار/مايو 2011 على يد قوات خاصة أمريكية في (أبوت اباد) في باكستان، وتولى أيمن الظواهري زعامة (القاعدة)، وهنا نقول في المقابل بأن وهج القاعدة الإرهابي تراجع تدريجياً لصالح تنظيمي أكثر قسوة وإرهاباً إلا وهما (داعش ISIS الخوارج) و(النصرة) إلى جانب تنظيم ثالث باسم (إمارة القوقاز) ورابع مثل (فتح الإسلام) غيرهم الكثير، وتم اختيار الأردن وتكليفه في مؤتمر (فيينا) وبمبادة روسية لفتح مكتب تنسيق إعلامي متخصص بتصنيف ومتابعة فصائل إرهاب المنطقة، وهو عمل هام وحساس من شأنه أن يساهم في الوقاية المبكرة من الإرهاب الغازي ومن جهة أخرى تحمّل ردة فعل الإرهاب نفسه الذي يتصيد في الماء العكر بمناسبة ومن دون مناسبة وهو الأمر الذي ساقه الناقدون على محمل الجد وحذروا من مخاطره، وعودة على موضوعنا الرئيسي الوارد في العنوان أعلاه فإن ما يتعلق بقصف المدنيين في سورية تحديداً يحتاج لاحقاً للجنة تقصي حقائق عربية ودولية محايدة وموضوعية حتى لا يتم القذف بالاتهامات يميناً وشمالاً هذا أولاً، وثانياً لا بد من تقريب عدسات كاميرات الحقيقة وزومها (Zoom)
من مصالح الجهات المتصارعة وسط الشأن السوري فالرئيس الأسد الآن ووزير خارجيته وليد المعلم لم يصرحا بشيء يمكن أن نفهم منه تطاولاً على عامة ناسهم ولا نعرف كيف تصرف ولا زال جهاز النظام السوري الأمن والعسكري بهذا الخصوص بوجود (23) مليون سوري، وهل هو يفرق بين فصائل الإرهاب والمعارضة الوطنية وجيشها الحر الحامل للسلاح؟ أم أن كل من حمل السلاح ضد نظام دمشق هو إرهابي؟ وكل من لا يقبل الجلوس على طاولة المفاوضات معه هو إرهابي أيضاً تجوز ملاحقته وتصفيته في الداخل والخارج؟ أم أن المناخ السياسي في سورية أكثر ديمقراطية مما نتوقع؟ وفي المقابل كيف تتصرف المعارضة السورية الوطنية وجيشها الحر هنا في الجوار مع مواطنيها لا نعرف؟ أما كيف يتصرف الإرهاب فهو معلوم وبالدليل القاطع، وبعد ذلك ماذا عن أمريكا التي كادت أن تقود حلف الناتو إلى دمشق لإنهاء وجود الأسد ونظامه على غرار تخلصها من نظام الشهيد صدام حسين لولا صدور الفيتو الروسي الصيني، وسبق أن تم التخلص من معمر القذافي ونظامه أيضاً بنفس الطريقة؟ وهل كان من الممكن أن تتسبب في التطاول على بسطاء ناس سوريا أم غير ذلك؟ وهل لروسيا مصلحة في المساس بالشعب السوري كما يشاع جراء تدخلها العسكري الأخير وهي التي تصرفت وفقاً لأحكام رأي وقرار نظام دمشق وبرلمان وأعيان بلادها ومجلس الأمن وتطالب وتعمل ليل نهار من أجل القضاء على الإرهاب أولاً الذي سبق وغزاها في عقرها وهاجر منها بحجم يقارب الـ(7) آلاف مقاتل إلى البؤر الساخنة وترحيل من قبلها لمستقبل الأسد ونظامه لصناديق الاقتراع ولخيار الشعب السوري المكلوم نفسه، وموسكو تدين الاجتياح التركي للأراضي العراقية واقترابها من مدينة الموصل رغم إعلان الجانب التركي بأن الهدف هو محاربة (داعش) وكأنها – أي تركيا – بخطوتها هذه تريد إيصال رسالة لروسيا مفادها بأن خطوتها في سوريا يمكن أن تقابلها تركيا بمثلها في العراق مع فارق بالطبع أن روسيا تحركت بإذن بينما تركيا تواجه احتجاجاً برلمانياً عراقياً عالي الصوت واجتماع لبعض صنوف المعارضة السورية في السعودية غير واضح المعالم، ولا سيطرة حقيقية على الإرهاب حتى الساعة من دون تحريك لخيار المواجهة على الأرض بعد تقوية الجيوش العربية التي تم هدمها وبعد تفعيل مسار الأيديولوجيا بطبيعة الحال.