كيف نقرأ استعراض العبادي عضلاته على تركيا؟ياسر زعاتره
09-12-2015 02:10 AM
فجأة ودون مقدمات يطل علينا حيدر العبادي بوجه آخر، حيث يبدأ موجة تهديد ووعيد بحق تركيا بسبب ما قيل إنه انتهاك من قبلها للسيادة العراقية؛ عبر وجود قوة تركية محدودة كانت تقوم بمهمة التدريب في الموصل، ويتحفنا بالحديث عن جاهزية قواته للرد، مع وضع مهلة نهائية لسحب تلك القوات كما لو كانت ستحتل البلد وتضعه ضمن “الوصاية العثمانية”، بحسب التعبير السائد في أوساط شبيحة إيران. يبدو المشهد مثيرا للسخرية في واقع الحال، بخاصة ما يتعلق بحديث السيادة، ذلك أنه بلد محتل عمليا من قبل إيران، فيما تجوب سماءه طائرات من كل جنس ولون، ولا ننسى أن تنظيم الدولة يسيطر على مساحات واسعة من ترابه، ربما تفوق تلك التي يسيطر عليها العبادي نفسه، إن كانت له سيطرة أصلا. لم تكن تركيا فقط هي من قالت إن وجود القوة التركية في الموصل كانت بتنسيق معه (العبادي أعني)، فقد كشف ذلك الأمريكان، وقبلهم دوائر إيران ذاتها، وهو ما يشير إلى أن ردة فعله لم تأت إلا استجابة للنفير الاستثنائي من قبل أدوات قاسم سليماني في العراق، وهم بشكل محدد زعماء مليشيات الحشد الشعبي الذي هاجموه واتهموه بالتهاون مع العدوان التركي. ومع موجة التهديد اضطر العبادي إلى أن يشرب حليب السباع، ويشرع في موجة تهديد ووعيد مماثلة لتركيا. لم يكن هذا التراجع هو الوحيد خلال الأيام الماضية، فقد كان هناك تراجع آخر تمثل في موافقة العبادي التي على وجود عسكري أمريكي على الأرض. وحين بدأ أزلام سليماني حملتهم ضد ذلك، ما لبث أن عاد وتراجع، ليعتبر ذلك الوجود “عملا معاديا”. تعكس الحالتان المشار إليهما حقيقة مهمة هي أن العبادي قد أعلن الاستسلام العملي للسطوة الإيرانية، ولم يعد بوسعه أن يمارس لعبة التمرد على إملاءاتها، والسبب أنها تحتل البلد عمليا من خلال مليشياتها، ونتذكر قبل ذلك مسلسل إصلاحاته الذي انتهى إلى لا شيء، وبالطبع بعد أن أثبت عجزه عن ملاحقة الفساد الذي يتمثل في المالكي ومن زرعهم في أجهزة الدولة، وهكذا انتهت تجربة العبادي إلى الفشل الذريع على كل صعيد، وثبت للقاصي والداني أن سليماني هو من يحكم البلد، بينما لا يتجاوز الآخرون حدود صلاحية الحكومة في بلد تتحكم فيه الأجهزة الأمنية والعسكرية مع رئيس قوي (هو سليماني في الحالة الراهنة). عودة إلى قصة تركيا، وهي الأهم هنا، فقد بدا واضحا أن إيران قد قررت استغلال الغضب الروسي على أردوغان وتصعيد الموقف إلى أبعد مدى، وصرنا نرى في الإعلام الإيراني هجاءً يوميا للرجل لم يسبق له مثيل. لم يحدث ذلك بسبب الغضب من موقفه من الملف السوري الذي لم يتغير عمليا منذ 4 أعوام، ولم يمنع وجود علاقات حسنة بين الطرفين، بل بسبب حاجة محافظي طهران إلى هذا التصعيد الذي يربك أنقرة في ظل تحالفها المعلن مع السعودية وقطر، ومساعيها لتغيير ميزان القوى على الأرض، وإفشال التدخل الروسي. أما الأهم، فيتمثل في حاجة طهران إلى دفع روسيا إلى مزيد من التورط في سوريا على نحو لا يسمح لها بالتفكير بحل سياسي على حساب نفوذ إيران ومصالحها، ولا حاجة إلى القول إن خيار استدعاء التدخل الروسي بالنسبة لإيران، لم يكن سوى خيار المضطر رغم ما ينطوي عليه من مخاوف إخراج البلد من وصايتها إلى الوصاية الروسية، والتي ربما فضَّلها بشار وتحالفه الداخلي، وبالطبع تبعا للقدرة على تسويقه خارج الإطار الطائفي الذي تمثله إيران. لا خلاف على أن إدارة أردوغان لأزمة الطائرة الروسية لم تكن موفقة، لكن بوتين لا يمارس كل هذا المستوى من الغطرسة وهو مرتاح البال، ليس لأن الخسائر الاقتصادية للعقوبات على تركيا تصيبه أيضا، وإن أثرت أكثر في تركيا، بل أيضا لأن تركيا ستجد وسائل للرد في سوريا تزيد في عمق تورطه في سوريا، في وقت لا يبدو فيه بوضع مريح؛ لا اقتصاديا، ولا حتى عسكريا في ظل ضآلة الإنجازات التي حققها بعد شهرين من القصف الجوي. هكذا يبدو الكل مأزوما في سوريا، ربما باستثناء نتنياهو الذي يستفيد مما يجري دون أية كلفة، لكن الطرف المؤيد للشعب السوري يظل الأقوى، فضلا عن أنه لا يملك خيارا آخر غير المضي في المعركة حتى يقتنع المعتدون بالحاجة لقبول تسوية معقولة، وبالطبع من أجل وقف نزيف طويل لن يفضي إلى النتيجة التي يريدونها.
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة