في علم الأرقام وعلم التحريض!
طارق مصاروة
09-12-2015 02:06 AM
لم نجد ان رفع سعر جرّة الغاز، او رفع وتنزيل رسوم الترخيص على المركبات.. موضوعاً يستحق كل هذه الضجة. فالذين رفعوا الصوت في مجلس النواب لم يقرأوا قراءة واعية حجم الرفع أو التنزيل في الرسوم، ولم يفرقوا بين اسعار الغاز المنتج من مصافي التكرير او الغاز كصناعة احفورية.. تماماً كصناعة النفط.
لقد كان تراجع الحكومة ضمن مكتب المجلس وليس في الجلسة العامة، تراجعا تكتيكيا لم يرض النواب الذين وصلوا الى حجب الثقة في تهديداتهم. ونظن ان رئيس الوزراء كان مستعداً لها، لأن التجربة اثبتت ان مطلب حجب الثقة دون نتيجة، هو عملياً تجديد للثقة بحكومته. لكن الرئيس اختار التراجع التكتيكي الذي لم يكن تراجعا على الاطلاق بكل الحسابات.. طالما ان هدفه زيادة مداخيل الخزينة.
والناس في بلدنا، في الصالونات الدافئة وفي الاحزاب والصحافة الالكترونية يحبون «الاكشن» في العمل السياسي ويذهبون الى الصعوبات الاقتصادية لانها مادة غامضة قابلة للاستغلال الدعائي، ولا تحتاج الى اختصاص معرفي مؤهل. علماً ان الجميع يعرف ان ثلثي حدودنا مغلقة. وان أزمة الغاز المصري احدثت خسائر مريعة في حسابات الطاقة. ولعل كسب اسرائيل لادعائها بخسارة مماثلة من انقطاع الغاز المصري بتعويضات قدرها 7ر1 مليار دولار، هو ذاته وربما اكبر منه لو ذهبنا الى التحكيم، فتعثر صناعاتنا سببه الطاقة، وديوننا المهولة سببها ديون شركة الكهرباء، وانقطاع الغاز المصري، وبدل ان يتماسك السياسيون والصحافة والاحزاب وقوى المجتمع المدني والوقوف مع الدولة في اجراءاتها لوقف التدهور الاقتصادي، نجد الجميع يتحول الى محرّض على الشغب العبثي، واذا كان شعبنا بأصالته المعروفة قد توقف عن تظاهر يوم الجمعة ونبّه الى خطورتها، فان التحريض السخيف استمر.
لم يقل لنا السادة الغاضبون في مجلس النواب او الاحزاب، او السياسيون المتقاعدون، ما هي خطتهم لمواجهة الصعوبات الاقتصادية، سوى تشويه وجه حكومة صمدت كل هذه الأشهر، واعطت كل هذا الثبات والاستقرار.
ليست القصة قصة دفاع عن الحكومة.. فالوطن هو المستهدف، واذا كان هناك مآخذ على الحكومة فحسابها ليس بالتحريض، وانما بالمزيد من الديمقراطية وطولة البال، والتعامل مع الارقام بما يستحقه الرقم من احترام العلم والمعرفة.
الراي