تطوير انتاج الأسمدة الفوسفاتية والبوتاسية للمساعدة في حل مشكلة الميزانية
د. زكريا القضاة
15-06-2008 03:00 AM
كيف يمكن للفوسفات والبوتاس الأردني أن يساهم في حل مشكلة الدين الخارجي وفي تحسين الوضع الإقتصادي الأردني؟ هل يتم ذلك من خلال البيع كما يروج له الآن؟ أم من خلال تطوير صناعة هذه الموارد الطبيعية والتوسع بها لتأخذ أبعادا جديدة؟
للإجابة على هذه التساؤلات أود في البداية أن أبين لقراء عمون الكرام بعض الحقائق عن بترول الأردن (الفوسفات والبوتاس):
كمية الأملاح المقدرة في البحر الميت تصل إلى 44 مليار طن منها 2 مليار طن بوتاس. لو فرضنا أن نصف هذه الكمية سيتم استخراجها من قبل الأردن فإن حصة الأردن ستكون 1 مليار طن تكفي الأردن 500 سنه إذا استمر الإنتاج بالمعدل الحالي.
يزيد سعر طن البوتاس حاليا عن 700 دولار للطن الواحد تسليم أرض المصنع ( هذا السعر سيكون اعتبارا من 1-7-2008) بمعنى أن ثمن البوتاس الأردني يزيد عن 700 مليار دولار حسب الأسعار الحالية.
3- الفوسفات يغطي 60% من مساحة الأردن وتعد الأردن رابع دولة في العالم من حيث التصدير. أما المخزون فيزيد عن 2،5 مليار طن المؤكد منه في مناجم الشيدية يناهز 1،35 مليار طن.
زاد سعر طن الفوسفات حوالي 400% خلال العام الحالي ليصبح الآن أكثر من 220 دولار للطن وبذلك فيكون ثمن الفوسفات الموجود في الشيدية لوحدها أكثر من 297 مليار دولار حسب الأسعار الحالية.
يحتوي الفوسفات الأردني على نسب تجارية من اليورانيوم، تصل إلى 60 جزء بالمليون أي 60 غرام في الطن الواحد والغريب أنه لم يتم التطرق إلى ذكر هذا المعدن الثمين والمهم عند الحديث عن أي صفقة محتملة لبيع الفوسفات الأردني.
إن البيع الذي حصل لجزء من حصة الحكومة في شركة الفوسفات لم يكن لشركاء استرتيجيين لهم خبرة في هذا المجال كما حصل في شركة البوتاس والإسمنت وهذه حقيقة. لقد تم البيع لمستثمرين يملكون المال فقط ولا يملكون أي خبرة في مجال صناعة الفوسفات ولذلك لم يتم أي تطوير على عمليات الإنتاج التقليدية.
اعتمادا على ما تقدم فإن تنفيذ دعوات بيع كامل حصة الحكومة في شركتي الفوسفات والبوتاس وبغض النظر عن الثمن ستؤدي إلى ضياع لمقدرات أساسية ستزداد أهميتها للإقتصاد الوطني في السنوات القادمة مع الأخذ بعين الإعتبار أن الأسعار العالمية لمنتجات هذين الخامين بارتفاع مضطرد وخاصة مع استمرار النمو الإقتصادي المتسارع لدول مثل الهند والصين اللتين تستوردان نسبة كبيرة من منتجات البوتاس والفوسفات الأردني.
إضافة لذلك فإن بيع شركة الفوسفات ومنح حقوق الإستخراج للشركات غير الأردنية يعني التنازل عن مخزون فوسفات استراتيجي يحتوي على نسبة كبيرة من اليورانيوم الذي يعول عليه كثيرا لاستخدامه وقودا في المفاعلات النووية السلمية التي يخطط الأردن لها أن تكون مصدرا للطاقة النووية الرخيصة والتي من المتوقع بدء إنتاجها بعد عشر سنوات.
أما بالنسبة لشركة البوتاس فإن بيعها سيعني القضاء على البحر الميت نهائيا في غضون0 3-40 عام بسبب اشتداد حمى التنافس والمتوقع حدوثه بين الشركات المنتجة على طرفي البحر الميت وتسابقها في استغلال واستنفاذ أملاحه. وجفاف البحر الميت يعني كارثة بيئية لا تعرف عواقبها. طبعا إذا لم يتم شق قناة البحرين خلال المرحلة المقبلة.
وبناء على المعطيات الحالية يبرز السؤال التالي:
كم نتوقع أن تصبح قيمة أسهم الشركتين بعد سنة، سنتين أو ثلاث سنوات من الآن أو بالأحرى كم ستصبح الأرباح السنوية في السنوات القادمة؟ علما بأنه من المتوقع استمرار معدلات الزيادة في أسعار الأسمدة غير العضوية بنفس الوتيرة التي حصلت في السنة الأخيرة. من المؤكد أننا سنعض على النواجذ ندما إذا فعلنا ذلك وبعنا الشركتين. وأعتقد أن الكثير منا يتحسر الآن على بيع الحصص الأولى من الشركتين قبل بضع سنين عندما يعلم بأن سعر سهم الفوسفات ارتفع منذ ذلك الحين من 2,9 دينار إلى 57,88 دينار حاليا (سعر اليوم 15-6-2008) أما سهم البوتاس فقد قفز سعره من 5,25 إلى 92,4 دينار للسهم الواحد حاليا (سعر اليوم 15-6-2008).
ومن ثم لا بد من أسئلة آخرى في ضوء تهافت المستثمرين على الشراء وازدياد دعوات البيع:
ما الذي يدفع أولئك المستثمرين إلى دفع أكثر بقليل من ثلاثة مليارات دينار ثمنا لحصة الحكومة في كلتا الشركتين - وهو مبلغ طائل كما يرى بعض المنادين بالبيع - لو أنهم لم يتوقعوا استرداد مبالغهم في غضون 10 سنوات على أبعد تقدير كما هو الحال في أي مشروع تجاري ناجح؟ علما بأن موجودات الشركة الكندية التي اشترت الحصة الأولى من شركة البوتاس تقدر حاليا بحوالي 63 مليار دولار، وأن هذه الموجودات توجد في عدة دول منها كندا والولايات النتحدة والبرازيل إضافة إلى الأردن وتسيطر هذه الشركة الآن فعليا على سوق البوتاس العالمي.
هل فكرنا في أن بيع هاتين الشركتين بشكل كامل سيعني استنزاف خامات الأردن وبقاءها مرهونه بيد هذه الشركات الأجنبية طيلة القرن الحالي على الأقل؟ هذا طبعا إذا لم يتم تحديد فترة امتياز تلك الشركات وفترة استغلالها لهذه الخامات.
ثم ماذا كنا سنفعل لو لم يكن لدينا فوسفات أو بوتاس كما هو الحال في لبنان مثلا الذي يعاني من مديونية تعادل أضعاف مديونيتنا؟ ماذا سنبيع عندئذ؟ المستشفيات أم الجامعات أم .... أم .... أم جميعها معا؟ لماذا أصبحنا نفكر بحل مشكلة المديونية على حساب مشاريع اقتصادية ناجحة تماما وسيزداد نجاحها في الأيام المقبلة؟
لماذا لا يتم الحديث عن التوسع في انتاج الفوسفات وأملاح البحر الميت الأخرى؟ لماذا لا يتم العمل على تصنيع كل خامات الفوسفات وتحويلها إلى أسمدة مركبة ذات أسعار مرتفعة بدلا من بيعها كخامات رخيصة نسبيا؟ علما بأن سعر حمض الفسفوريك على سبيل المثال يبلغ الآن 1800 دولار للطن. وهناك مفارقة حاليا هي أن شركة الفوسفات الآن لا تزود مصانع الأسمدة المركبة المحلية من هذه المادة بسبب ارتفاع الأسعار وزيادة الطلب الخارجي الأمر الذي يهدد بإغلاق هذه المصانع. كما أن سعر سماد DAP أي ثنائي امونيات الفوسفات يتراوح ما بين 1200-1230 دولار للطن. أما البوتاس فهناك العشرات من الأسمدة الثمينة التي يمكن تصنيعها منه مثل نترات البوتاسيوم وكبريتات البوتاسيوم والأسمدة الثلاثية المختلفة. والكل يعلم أن أي توسع يعني زيادة في فرص العمل وتقليل في نسب البطالة.
لست على دراية كبيرة بالسياسات الإقتصادية الناجعة التي يجب اتخاذها من أجل التخلص من الدين وتحسين أداء الإقتصاد الوطني. ولكن لا بد من التساؤل: لماذا نبحث عن أقصر الطرق وأسهلها ولكن أكثرها ضررا علينا في المدى القريب والبعيد من أجل التخلص من كابوس المديونية؟ أليس من الأجدر اتباع سياسات أخرى غير سياسات البيع؟ تطوير صناعة الأسمدة المركبة التي يجب أن تكون بمثابة بترول الأردن. لماذا لا نبدأ أولا باتباع سياسات تقشفية على الأقل يتم من خلالها الحد من النفقات الجارية التي تشكل نفقات الرفاهية والبذخ نسبة كبيرة منها؟ وحتى بعض النفقات الرأسمالية فهناك الكثير من البذخ الظاهر وغير المبرر. وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما أرى مشروع مبنى المواصفات والمقاييس على طريق صويلح المدينة الطبية أشك بأننا نعاني من أي مديونية.