عطفا على " ألشجار السياسي الديمقراطي " الذي شهده بلدنا خلال الايام الاربعة الماضية , ونشاف الريق الذي عانيناه جميعا حكومة وبرلمانا ومواطنين جراء التلاوم وتبادل الاتهام على خلفية رفع رسوم وزيادة اسعار سلعة وخدمه,فإن مثل هذا الحال, لا يمكن له أن يظهر او يستفحل لدى دول وشعوب ثرية لا تعاني وزرها وأوزار غيرها كما ومثل ما نعاني , في بلد أملت عليه ظروفه الجغرافية والقومية والإنسانية أحمالا وأعباء تنوء دونها أقوى قوى الارض واكثرها ثراء وإمكانات .
حالنا الذي لا ذنب للاردن فيه بل هي ذنوب غيره عربا واجانب على حد سواء , يقول للعالم كله , بان شعوبا عدة تعيش اليوم معا على الارض الاردنية , وتحت سمائها وفي ظل أمنها وخدماتها , في بلد يصنف عالميا بإعتباره ثاني أفقر بلد في مجال المياه , فضلا عن فقره الكامل في توفر أهم مصادر الطاقة وهو النفط ,إلى جانب العجز المستفحل في موازنة الدولة برغم المساعدات الخارجية على ضآلة حجمها , أمام حجم الإستحقاقات الهائل الذي يفرضه هذا الواقع على كاهل الدولة الاردنية ومواطنيها معا .
تعيل الارض الاردنية وتوفر فرص عمل وخدمات تعليمية وصحية وغذائية وكسائية ومن كل نوع يتطلبه العيش المستقر الآمن , لشعبها الاردني المقدر تعداده بحوالى ستة ونصف مليون مواطن يتمتعون بالجنسية الاردنية , وملايين غيرهم من اللاجئين والمقيمين من الاشقاء الفلسطينيين والسوريين والعراقيين والمصريين , ومن المتفرقة كالاشقاء اليمنيين والسودانيين والليبيين , وسواهم من العاملين من دول آسيوية عده .
أللافت لإنتباه أي مراقب منصف , هو أن جميع هؤلاء ونحن معهم , يجدون ما يأكلون وما يشربون وهم يعملون وآمنون على ارواحهم واعمالهم وأسرهم وممتلكاتهم , ومعظمهم يحولون أموالا إلى أوطانهم ألأم كأجور وارباح لاعمالهم , ولا يجدون ما ينغص عليهم حياتهم قياسا بما يجري في اماكن غير الاردن , وبالكاد تجد اردنيا يتذمر من وجودهم , اللهم إلا تحت طائلة الفقر والبطالة عندما لا يجد الاردني فرصة عمل أسوة بالاشقاء .
أنا لا أعرف بلدا على وجه البسيطة يأوي شعوبا عدة ويوفر لها كل الخدمات ومتطلبات العيش الكريم كما هو الاردن , وهو البلد الوحيد في هذا العالم , الملاذ الحقيقي لكل فار بروحه وعرضه من أتون النار والقتل والفوضى , ولم يغلق ابوابه يوما في وجه أحد , ولم يمنن يوما على أحد , وحتى إن طلب العون لقاء هذا الواقع المضني , فبإستحياء كما لو كان من واجبا عليه دون غيره , أن ينوب عن ساكني الكوكب ودوله وحكوماته , بالتصدي لهذه المهمة الإنسانية التي تتخطى قدراته المادية بكثير جدا , في زمن يتهرب فيه الجميع من واجباته , فنحن نسمع مدحا كثيرا ,ولا نتلقى دعما إلا ما ندر ونزر .
لا جدال أمام هذا الواقع إلا اليقين بأن الله سبحانه وتعالى معنا , فهو معيننا ونصيرنا وإلا لما كان بمقدورنا التحمل إلى هذا الحد , وفي هذا الدليل الاسطع على صفاء نياتنا ونقاء سرائرنا وطغيان الشهامة والإيثار لا الإستئثار في نفوسنا شعبا وقيادة على حد سواء .
نعم , يثير الحزن والشفقة جدالنا وشجارنا السياسي المستعر حول قرار حكومي برفع سعر اسطوانة الغاز ورسوم ترخيص السياره , فقد وقفت البلد كلها على رجل واحدة امام قرار كهذا إتخذته الحكومة مجبرة وعانده الناس والصحافة والبرلمان والاحزاب, ولم يبق مواطن إلا وأدلى بدلوه في رفض هذا القرار الذي لا يثير ادنى إهتمام في أي بلد آخرأموره المادية ميسرة , ولا ينشف ريق رئيس وزرائه ووزرائه ونوابه وكل مسؤول ومواطن فيه , في جدال مؤلم حول هكذا قرار مجحف وقاس في حالة بلدنا , وعادي جدا عند المرتاحين ماليا ومعيشيا في دول أخرى .
بصراحة ما بعدها صراحه , بلدنا وشعبنا وحكوماتنا وبرلماناتنا وقبلهم قيادتنا , يتحملون ما لا يتحمله احد في الشرق الاوسط كله , وستطول معاناتنا إن إستمر هذا العناء , وإذا ما كنا قد تجاوزنا الحادثة الأخيرة فلا ندري ما يخبيء لنا الغد الوشيك , ولهذا فنحن بأمس حاجة إلى حلول جذرية تنهي معاناتنا وجدالنا ونشاف ريقنا وتبادل الإتهامات والتلاوم بيننا عند كل حادثة غلاء للاسعار , وهذا هو الحزن بعينه , عندما يلقى الأحمال كلها على بلدنا وحده دون غيره , ولا يجد في المقابل معينا ولا حتى مكترثا غير عون الله جل في علاه .
بإختصار ووضوح أستغرب إحجام الجميع عن مقاربته أو البوح به ,فإن من حقنا على المجتمع الدولي كله, إطفاء مديونتنا الخارجية كاملة غير منقوصه , ومدنا بالمال الذي يرفع العجز عن كاهل موازنتنا , ويحسن مستوى عيش إنساننا , ويتكفل بتمويل حياة تلك الشعوب التي فاءت إلينا ولا ذنب لنا في مصائبها ومصيبتنا معها , بل هي ذنوب غيرنا ممن يغضون الطرف تماما عما نتحمل وما نعاني , وكأن الأمور لا تعنيهم من قريب او حتى بعيد , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , وللحديث بقية بإذنه سبحانه , وهو من وراء القصد .