النسور جُرّ إلى معركة مُبكّرة مع "النواب"
07-12-2015 05:32 AM
عمون – وائل الجرايشة - لم يكن رئيس الوزراء د. عبد الله النسور في جلسة مساء الاحد على ما يرام، فالرجل ربما شعر أنه جرّ إلى معركة لم يحسبها رئيسةً بل كان يراها هامشية ضمن تقديراته.
الرئيس لم يرغب بإنطلاق معركة مُبكرّة – كان يتوقع حصولها – لكنّ في أغلب الظنّ أن تبدأ فصولها بعد أسابيع حينما تنطلق مناقشة الموازنة العامة والتي تفرض سياسة الأمر الواقع حتمية المواجهة الساخنة.
الوجوه النيابية التي يعرفها النسور منذ 3 سنوات وذكّر أصحابها بأنه تقدّم للمجلس بثلاث موازنات ويتقدم اليوم برابعها، ليست اليوم تلك الوجوه التي ألِفها تماماً منذ أن دخل الطرفان سوية، فقد تبدلت وتغيّر الحال وبدى الأمر صعبا بعد أن بات الفريقان على مفترق طرق.
مهّد النائب سعد هايل السرور لصعود الرئيس على منصة الخطابة بعد أن طلب طلباً رأه النسور ب"الأمر العسير" عندما حثّ رئيس مجلس النواب على دعوة رئيس الحكومة لسماع رأيه إزاء التفاهمات التي توصّل إليها مع المكتب الدائم حول رفع اسطوانة الغاز وتعديل رسوم ترخيص المركبات.
ما إن تلقف الطراونة الطلبَ حتى رماه في وجه النسور الذي بدت عليه علامات الإمتعاض، واستأذن بالحديث على صيغة تساؤل فقال "سيدي الرئيس انا بأمرك ومستعد لذلك، لكن هل ترى - وهذا سؤال اطرحه - أن نقرأ خطاب الموازنة ونضعه جانباً ونأخذ كل الوقت الذي تحتاجونه؟".
كان همُّ النسور الأول والأخير أن يصعد وزير ماليته إلى منصة الخطابة لنزع فتيل التوتر وليدخل المجلس مع الحكومة في استحقاق دستوري يصعب بعده "زحزحة" الرئيس أو "خلخلة" موقعه لأسابيع على أقل تقدير.
الطراونة وتحت وطأة المشهد أمامه آثر إلى تبني طلب السرور وفضّل أن يقدّم النسورُ مداخلته لينجو الأول من تحويل الهجوم عليه بصفته صاحب اقتراح الإجتماع الذي ضم الحكومة بالمكتب الدائم.
هي المرة الثانية التي يظهر فيها رئيس الوزراء عبد الله النسور متوتراُ ومنفعلاً في البرلمان، فقد كانت الأولى في تلك الجلسة الشهيرة في بداية عهده مع مجلس النواب حينما نشب خلاف وقتها على تحرير أسعار المحروقات.
الرئيس نهض من موقعه متثاقلاً وما إن استهل بالحديث حتى بانت عليه علامات الإنزعاج حينما استسمح " ليعذروني اذا غلطت"، ولم يخف انفعاله حينما قوطع أول مرة فقال "يا بتسمحولي احكي يا بقعد سيدي الرئيس ..انتم سمحتوا لي احكي فأنا بدي حق الكلام".
وفي سياق تذمره من الهجوم على القرارات الأخيرة واستهداف حكومته قال " اللي بده يحكي معي أنا مستعد اناقش للصبح بطريقة ديمقراطية نيابية حضارية ..مستعد، لكن اذا طلعت عن الخط او خالفت النظام الداخلي (فقط) في تلك الحالة يحق له يقاطعني"..
يقول الرئيس عبارته هذه وهو يحرك يديه المتكئتين على المنصة بتوتر، بينما ترد النائب هند الفايز بعصبية "هذا تهديد غير مقبول"، ليؤيد رئيس مجلس النواب مداخلة النسور ويؤكد أن حقه مصان في الحديث.
وبعد (7) دقائق من بدء خطابه وصل النسور بالحديث حول اسطوانة الغاز وتساءل لكي يُهيىء لنفسه شرح الإجابة "كيف ترتفع اسطوانة الغاز في وقت تنخفض فيه اسعار المشتقات؟"، إلا انه لم يصل إلى الإجابة بعد أن قوطع مرة اخرى من قبل النائب بسام البطوش.
يستعين النسور برئيس مجلس النواب ليتدخل فبرفع يده لكي يتدخل، فيطلب الطراونة من البطوش الهدوء، قبل أن يعود النسور مخاطباً النائب مباشرة "أنا بتوجه لسعادة الدكتور بسام (..)"، لكنه لم يكمل عبارته فقد ارتفعت في هذه الاثناء هتافات نيابية "ارحل ارحل" يرافقها "طبيل" على الطاولات..
بعد دقيقتين من الضجة النيابية يعود النسور قائلاً " يسمحولي اخواني استمر"، وكررها.. وقال "من منطلق الاسلوب الاردني المعروف انه الناس بتسمع بعضها وتحترم بعضهما وكلنا محترمون، وكما تُعامَل يجب ان تُعامِل وحينما اقاطع أحداً من حق الناس أن تقاطعني لكن بهذا الشكل لا ارى ذلك ".
النواب يعاودون الكرّة في ملاحقة الرئيس على "الكلمة"، فعندما همّ بالقول قبل أن يرتشف الماء "تابعنا مدى الضيق عند النواب صباح اليوم"، سمع أحد النواب يقول له "مش متضايقين" فقال له "على راسي" ووضع يده على رأسه قبل ان يكررها ..ومن ثم يقول "انا اسحبها".
لم يكن النسور في يومه ولا احسن حالاته – وفق مراقبن- ، حتى المقربين منه وجدهم بعيدين عنه ولم يعترض على السماح له بالحديث بعد مقاطعته، سوى عدد من النواب بينهم النائبان محمد الحجايا ومفلح العشيبات اللذان طلبا الاستماع إلى رئيس الوزراء واتخاذ القرار الذي يراه المجلس مناسباً.
لاحقاً، تنفس الرئيس الصعداء حينما وجد قبولاً من نواب لما عرضه من تفاصيل تتعلق بتعديل رسوم ترخيص المركبات ووجه اللوم على "أجهزة الدولة" بعدم شرح تفاصيل القرار الذي يعود لصالح المواطنين لا عليهم – كما ابلغ المجلس-.
النسور وجد تأييداً من عدد من النواب بينهم النائب يحيى السعود الذي لم يتردد في القول أنه لأول مرة يدعم موقف الحكومة على الرغم من أنه يعارض قراراتها دوماً، في حين ايدّ نواب التفاهمات على مبدأ تسجيل " نقطة" لصالحهم أمام الشارع.
ومع "التنفيس" الذي حصل إلا أن النواب لم يباركوا الإتفاق الذي جرى بين الحكومة والمكتب الدائم، بل أن نواباً اصرّوا على موقفهم المعارض لبقاء الحكومة وتداعى عدد منهم لطرح مذكرة "حجب ثقة" وقّع عليها 31 نائباً اطلعت "عمون" على مضمونها حيث كانت بيد النائب عساف الشوبكي وهو يغادر المجلس مساءً.
في عموم المشهد خلط النواب الاوراق مُبكراً وهم يظنون أن وقت "السداد" من الحكومة قد حان بعد نِزالاتٍ خسرها المجلس ب"جدارة"، في تطابق مع ما ألمح به مصدر نيابي بارز حينما قال لـ عمون قبيل جلسة الأحد أن "كل مبررات رفع الصوت حاضرة".
بدأ النزال مبكراً وبعض النواب كانوا بحاجة إلى "فرملة" القرار بأي ثمن ليس ك"هدف بحد ذاته" بل لأنهم يمنون النفس ب"نصر" يسجل لهم في نظرة الوداع الأخيرة للقبة ولتذكير الشارع بأنفسهم "نحن هنا".
يقف الجميع على أعتاب انتخابات مقبلة وهو الأمر الذي يؤرّق الحكومة وفق وزير بارز قال لـ "عمون" : "كان متوقعاً حصول ذلك في الدورة الثالثة وربما الأخيرة، واعتقد أننا لم نرّ شيئاً بعد".